اقتصاد السوق .. وإنعاش الصادرات
تمتلك كوريا الجنوبية اقتصاد سوق ترتيبه الـ15 عالميا، وفقا إلى الناتج المحلي الإجمالي، والـ12 وفق تعادل القدرة الشرائية، وهذا ما يجعل كوريا الجنوبية ضمن مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم.
تصنف كوريا الجنوبية ضمن البلدان والأسواق المتقدمة عالية الدخل. وتتمتع باقتصاد كان من بين أسرع الاقتصادات نموا في الفترة بين الستينيات والتسعينيات في القرن الـ20، وأيضا كان اقتصادها من بين الأسرع نموا في العقد الأول من القرن الـ21، إضافة إلى اقتصادات كل من هونج كونج وسنغافورة وتايوان، وهي النمور الآسيوية الثلاثة.
مع أن كوريا لا تمتلك موارد طبيعية تقريبا، وتعاني باستمرار الاكتظاظ السكاني في مساحة صغيرة، الذي يحد من النمو السكاني المستمر، وتشكل سوقا استهلاكية داخلية كبيرة، فقد اتجهت إلى استراتيجية الاقتصاد، الذي يتوجه نحو التصدير من أجل تنمية اقتصادها، فقد كانت سادس أكبر مصدر، وسابع أكبر مستورد على العالم.
وهذه الأيام تستعد الحكومة الكورية الجنوبية لاتخاذ سلسلة إجراءات لتعزيز الأوضاع الاقتصادية بشكل عام والتجارية خصوصا.
وهذه الإجراءات ليست حكرا على هذا البلد، فقد اتخذت عشرات الدول مسار الدعم المالي لقطاعاتها في الأعوام الثلاثة الماضية، وتحديدا في أعقاب تفشي جائحة كورونا، والموجة التضخمية الحادة التي أتت بعدها. حتى إن دولا عديدة تعتمد على اقتصاد السوق، أقدمت على ما يمكن وصفه بـ"تأميم" بعض الشركات الخاصة المحورية لديها.
وما تسعى له الحكومة الكورية حاليا، العمل بشتى السبل لإنعاش اقتصادها الذي يعاني مشكلات مركبة في قطاع الصادرات. فقد بات المصدرون بحاجة إلى الدعم قبل أن تتفاقم الأوضاع في واحد من أهم القطاعات المكونة للاقتصاد الوطني.
وتمثل التجارة في كوريا الجنوبية أكثر من 80 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، وتشكل الصادرات نحو 36 في المائة من مجموع هذا الناتج، الأمر الذي يجعل الحكومة أكثر خوفا إذا ما استمرت الأوضاع التجارية بعض الشيء خارج النطاق الذي كانت تسير عليه.
وتواجه صادرات الإلكترونيات مصاعب، فهي تشكل 31 في المائة من الحجم الكلي لصادرات البلاد، إلى جانب الآليات والمركبات بأنواعها والبلاستيك والمعدات الطبية وغيرها.
ولا بد من القيام بخطوات عملية من أجل دعم الصادرات بصرف النظر عن أي تبعات مالية أخرى، علما بأنها من الدول التي لديها نسبة عالية من الدين العام، تصل إلى 55 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفق آخر الأرقام الرسمية الصادرة عن سيئول.
الخطة التي تعتزم السلطات الكورية اعتمادها، ترتكز على تقديم تمويلات لقطاع التجارة تصل إلى 285 مليار دولار تقريبا، سيتم رصد نحو الثلث لدعم المصدرين في النصف الأول من العام الجاري.
والمشكلة لا تقتصر على وضعية صادرات فقط، بل تشمل أيضا تراجعا ملحوظا في الاستثمارات، مع التباطؤ الاقتصادي الحاصل على الساحة الدولية، إضافة طبعا إلى المستويات المرتفعة للفائدة من أجل كبح جماح التضخم.
والحق أن الخطوة الحكومية هذه جاءت في الوقت المناسب مع انخفاض في حجم الصادرات في الشهر الماضي بلغ أكثر من 16 في المائة على أساس سنوي.
وهذا التراجع هو الرابع على التوالي، في وقت تتعرض فيه صناعة أشباه الموصلات لضغوط متزايدة، نتيجة انخفاض الطلب العالمي عليها في هذه الفترة.
وإذا ما نجحت المخططات الحكومية في دعم التجارة والصادرات خصوصا، فإن التوقعات العالمية تشير إلى عودة الطلب على الصناعات الكورية عموما مع بداية العام المقبل.
لكن لا بد من معالجة الفائض التجاري حاليا، رغم كل الضغوطات الشعبية، التي تتعرض لها الحكومة في سيئول، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وتحديدا الغاز، نوعية الطاقة المستخدمة في التدفئة. فهذه المشكلة تبدو عامة في كثير من الدول، التي تعتمد اقتصاد السوق.
فمع تضاؤل وتيرة الصادرات، تجاوز الفائض التجاري كل التوقعات الرسمية، وهذا ما يزيد بالطبع من حالة عدم اليقين في القطاع التجاري بشكل عام، وفي جانب الصادرات والتصنيع أيضا.
من هنا، يمثل الدعم الحكومي المزمع للصادرات الحل الأمثل، بل الوحيد للمسار التجاري. فالمراهنة الآن ليست فقط على عوائد هذا الدعم الضخم، بل على ارتفاع الطلب على المنتجات الكورية عالميا، وهذا لن يحدث في وقت قريب، نظرا للضغوط، التي تتعرض لها الدول المستوردة، من جراء الحالة الاقتصادية العالمية المضطربة في الوقت الراهن.