النصيحة المالية بين المحترف والاقتصادي
غالبا ما نسمع طلب نصيحة أو رأي حول المال عموما، خاصة الاستثمار، لكن بعيدا عن علم إدارة الثروات وحيثيته المتعبة، هناك فجوة بين النصيحة مهما كان مصدر الحاجة إليها أو المقدم لها من جهة، وبين الرأي الاقتصادي الأكاديمي من جهه أخرى.
طلب النصيحة دائما صعب لأسباب كثيرة، أدرجها تحت ثلاثة عناوين: الأول، أن مبادئ علم الثروات تطالب بمعرفة تفصيلية مالية وتقدير مستوى المخاطر عن طالب النصيحة، وهذه لا تحدث في الأغلب لدينا.
الثاني، سيطرة كتب استرشادية تقدم نصائح وخططا مالية واستثمارية توصلت إليها، إما من ممارسة وإما من نجاح ترويجي من قبل محترفين.
الثالث، عدم قدرة الاقتصاديين إلى النفاذ إلى "الماليات" للعامة لأسباب عدة. هذه الأسباب الثلاثة وربما أخرى، إضافة إلى تفاصيل يصعب ذكرها، جعلت هناك فجوات كبيرة. كثير يستقي المعلومات والنصيحة من محترفين في المالية الشخصية، وليس طبقا لما توصي به الدراسات الأكاديمية.
يشغلني هذا الموضوع لأسباب عامة وشخصية لتكرار ما أرى وأسمع من طلب النصائح.
لذلك لفتت نظري دراسة حديثة بعنوان، popular personal financial advice vrsus the professors ـ النصحية بين محترفي المالية العامة والبروفيسور لجيمس شوي أستاذ المالية في جامعه ييل.
راجع نحو 50 كتابا من محترفين في المالية لتحليل إرشادات المحترفين ومقارنتها طبقا للمنطق الأكاديمي الاقتصادي.
وجد في الأغلب اختلافا في طبيعة النصيحة عدا بعض التوافق، فأغلب المحترفين ينصح بالاستثمار طبقا للصناديق التي تتبع المؤشر، وكذلك الاقتصاديون لأنهم يرون أنه لا يمكن للشخص العادي التفوق على المؤشر لمدة معتبرة، وكذلك أيضا لتكلفة الصناديق الأخرى.
الاختلافات كثيرة، البعض يعتمد على المحترف لأسباب مختلفة، فهناك من هو محفز ومشجع والبعض يقدم نصيحة للكسب السريع، والبعض ليست لديه نصائح متماسكة، بل إن بعضهم يقدم نصائح خاطئة، لكن أكثرهم بعيد عن النصيحة المثالية اقتصاديا.
فمثلا، ينصح أغلبهم بتسديد الدين القريب لكي يتعود على تقليص الدين، بينما الاقتصادي ينصح بتسديد الدين الأكثر تكلفة أولا. لكن أيضا النصيحة الاقتصادية لا تأخذ في الحسبان الأحداث النادرة التي تقلب حياة الإنسان بتوقيتها أو حجمها.
النصيحة التقليدية اقتصاديا تقول إن الاستهلاك يجب أن يكون موزونا طبقا لدورة حياة الفرد، نظريا مقنعة، لكن لا يمكن لأحد تطبيقها حرفيا لأن الحياة مليئة بالمفاجآت.
هناك نصائح مقبولة دون تفنيد علمي، مثل النصيحة بتوفير 15 في المائة على الأقل من دخلك الشهري، لكي يتكون دخل مستقل عن الوظيفة تدريجيا. التحديات ترتفع للكثير حول الإعداد للتقاعد أو تأمين مصدر آخر للدخل.
طبقا لبحث الدكتور شوي، هناك اختلافات بين المحترفين والنموذج الاقتصادي، لأن هناك أخطاء شائعة ومحاولات غير متجانسة للتعامل مع الهفوات والنزعات البشرية في التصرفات، لكن مع هذا، هناك سببان لنفوذ المحترفين.
الأول، أن نصائحهم في الأغلب سهلة ومقبولة للعامة، فليست هناك معادلات معقدة، ودرجات من التفضيل في الأولويات تعتمد على عوامل أخرى أحيانا مرتفعة الحساسية والتأثير.
الثاني، أغلب المحترفين يأخذ في الحسبان الصعوبات التي تواجه العامة في تعاملهم مع المحفزات أو التفاعل العاطفي مع الظروف الموضوعية. لذلك ربما نصائح أغلب المحترفين أكثر عملية للأفراد.
لعل التحدي أن يطور الاقتصاديون نماذج تستطيع أخذ هذه الانحيازات البشرية في الحسبان، لكيلا يسيطر المحترفون على موضوع اقتصادي في الجوهر.