في التصدي للارتباكات البنيوية «1 من 2»
تفضي سياسات تطوير التجارة والتكنولوجيا، على نحو شبه دائم تقريبا، إلى عواقب مرتبطة بالتوزيع. لا يخلو الأمر من بعض الاستثناءات، حيث يؤدي تنفيذ سياسة ما، إما إلى مكاسب أو عدم خسارة للجميع تقريبا، وهو ما يسميه أهل الاقتصاد "تحسن باريتو". لكن هذه الحالات نادرة نسبيا. قد يزعم بعض المراقبين أن نموذج النمو القائم على التصدير في الدول النامية في المراحل المبكرة، الذي يجتذب العمالة الفائضة إلى التصنيع الحديث والقطاعات الحضرية يقترب من تلبية هذا المعيار. لكن حتى هناك، لا توزع المكاسب بالتساوي، وتزداد فجوة التفاوت في الدخل اتساعا عادة.
التأثيرات المرتبطة بالتوزيع هي القاعدة، داخل الدول وعبر الحدود الوطنية. تشهد الدول النامية الناجحة تغيرات بنيوية كجزء من عملية النمو. والفوائد طويلة الأجل المترتبة على التعرض للأسواق العالمية والاستثمار بالغة الضخامة، إلى الحد الذي يدفع عجلة النمو، فضلا عن تعديلات بنيوية كبرى فيما يتصل بالوظائف، والمهارات، ورأس المال البشري، لكن بعض القطاعات يتأثر سلبا حتما.
لضمان عدم طغيان الفرص الاقتصادية والضغوط الجديدة على قدرة الدول النامية -خاصة قوة العمل- على التكيف، ينبغي لصناع السياسات أن يتحكموا في وتيرة وتسلسل عملية الانفتاح على التجارة، والاستثمار، وحساب رأس المال. على سبيل المثال، إذا تحول صافي توفير فرص العمل -الوظائف المنشأة مطروحة منها الوظائف المفقودة- في الاتجاه السالب، فربما يكون هذا راجعا إلى الانفتاح بسرعة أكبر مما ينبغي.
من الأهمية بمكان استكمال جهود معايرة وتيرة الانفتاح بقدر من إعادة التوزيع نحو الفئات أو القطاعات المتأثرة سلبا، لكن ليس على حساب الاستثمار. لدعم إنشاء نمط شامل من التكيف البنيوي، وهو أمر بالغ الأهمية، يجب على الحكومة أن تستثمر بكثافة في توفير التعليم عالي الجودة ميسور التكلفة "منخفض التكلفة أو المجاني" للشباب، والتدريب للعمال الأكبر سنا.
كل هذا شديد الأهمية لضمان احتفاظ السياسات التي يقوم عليها نموذج النمو بالدعم الشعبي، بخلاف ذلك، من المرجح أن تعطل المعارضة السياسية استراتيجية النمو أو تجهضها.
لا تقتصر هذه التحديات على الاقتصادات النامية. إذ تخلف التجارة، والاستثمار، والتكنولوجيا تأثيرات كبيرة في البنية الاقتصادية، والأسعار النسبية، وتوزيع الدخل والثروة في كل مكان تقريبا. تزعم ورقة بحثية حديثة أن التجارة مع الصين لا تخلف تأثيرات سلبية مباشرة في تشغيل العمالة والأجور في قطاع التصنيع في الولايات المتحدة فحسب، بل تنتج أيضا تأثيرات سلبية في موردي المنتجات الوسيطة عند المنبع.
من المؤكد أن مؤلفي الورقة البحثية خلصوا إلى أن التجارة مع الصين تعود على الولايات المتحدة بفوائد صافية، لأن التأثير الإيجابي عند المصب -مجموعة واسعة من الصناعات التي تكتسب القدرة على الوصول إلى منتجات وسيطة أرخص- أكبر من التأثيرات السلبية المباشرة عند المنبع مجتمعة. مع ذلك، لا تزال التجارة بين الولايات المتحدة والصين تخلف عواقب توزيعية مهمة، لأن التأثيرات السلبية أكثر تركزا حسب القطاع والجغرافيا، في حين تنتشر التأثيرات الإيجابية على نطاق واسع. وبوسعنا أن نقول إن هذا كان له تأثير كبير في المواقف الأمريكية تجاه التجارة مع الصين، وبالتالي في السياسة التجارية الأمريكية في عموم الأمر... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.