في التصدي للارتباكات البنيوية «2 من 2»
بطبيعة الحال، يحتدم الجدال حول التجارة مع الصين، خصوصا في الولايات المتحدة، خاصة بسبب ادعاءات انتهاك الصين قواعد منظمة التجارة العالمية. لكن هذا ليس أكثر من تشتيت للانتباه. لا شك أن هناك حالات عديدة لإخفاق الدول النامية في الامتثال الصارم لقواعد منظمة التجارة العالمية. لكن التأثيرات البنيوية والتوزيعية المترتبة على التجارة لا تعتمد على امتثال الدولة لقواعد منظمة التجار العالمية بقدر ما تعتمد على المرحلة التي تمر بها من التطور، وحجم التجارة، ومزاياها النسبية.
عكست شدة ما تسمى صدمة الصين في الولايات المتحدة سرعتها وحجمها. كان خطأ صناع السياسات متمثلا في تكريس قدر ضئيل من الاهتمام نسبيا لتعديل سرعة التحول أو دعم أولئك المتضررين بالتعديل البنيوي. لكن الحديث عن إبطاء وتيرة التغير البنيوي أسهل من تنفيذ ذلك على أرض الواقع، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتحول الأخضر ـ وهذا محرك رئيس آخر للتغير البنيوي اليوم. كانت عقود من التقاعس عن العمل تعني أن التخفيضات السريعة في الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي أصبحت الآن ضرورة ملحة. لكن هذا بدأ يوجد بالفعل ارتباكات كبرى، فضلا عن تداعيات توزيعية خطيرة. فمع نمو هذه التأثيرات، تتنامى أيضا المقاومة للمبادرات الضرورية.
تمثل التكنولوجيا المحرك الثالث للتحول البنيوي اليوم. كما وثـق ديفيد أوتور وآخرون، حتى قبل الاختراقات الأخيرة في الذكاء الاصطناعي، كانت التكنولوجيا الرقمية تعمل على إزالة الوظائف الروتينية "القابلة للتدوين" متوسطة الدخل في الأساس من الاقتصاد، ما أدى إلى استقطاب الوظائف والدخل. ومن الممكن ملاحظة هذه الظاهرة في كل الاقتصادات المتقدمة.
ما يزيد التحدي تعقيدا في الولايات المتحدة أن نمو الإنتاجية انتقل إلى مسار مزدوج. كما ذكرت أخيرا أنا وبيليندا أزينوي، عملت الاختراقات في مجال التعلم الآلي على تمكين الإنتاجية من النمو السريع فيما يسميه أهل التكنولوجيا "الطبقة الأساسية" في الاقتصاد ـ حيث تجري معالجة وتخزين المعلومات والوصول إليها، واستخدامها، وأين تحدث المعاملات وتتخذ القرارات.
لكن في "طبقة الذرات"، حيث يحدث النشاط الاقتصادي المادي، يكون نمو الإنتاجية مختلطا ـ أعلى في البيئات ذات البنية المنظمة مثل التصنيع واللوجستيات، والأدنى في أماكن أخرى، بما في ذلك قطاعات تشغيل العمالة الضخمة مثل الضيافة. إذا استمرت هذه الاتجاهات -وتقاعس صناع السياسات- فستستمر الفجوة في الإنتاجية والدخل في الاتساع.
في مقال نـشـر 2022 بعنوان "فخ تورينج" The Turing Trap، اقترح إريك برينجولفسون أن أجندة أبحاث الذكاء الاصطناعي تركز بشكل مفرط على الذكاء الاصطناعي الشبيه بذكاء البشر، وهو ما يحفزه اختبار تورينج الشهير، هل يستطيع شخص يتفاعل مع آلة تحديد ما إذا كانت آلة؟ من الواضح أن هذا المعيار أفضى إلى تقدم مذهل. لكن برينجولفسون يزعم أنه يجب أن يستكمل بأجندة تعزيز آلي جيدة التمويل وأكثر عدوانية. يجب أن يكون هدف تطوير المركبات شبه المستقلة مصحوبا بدفـعة نحو تعزيز إنتاجية مجموعة واسعة من وظائف قطاع الخدمات.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.