«أرامكو» التايوانية
المتابع للحالة الاقتصادية عالميا اليوم يسمع كثيرا عن "أرامكو" السعودية بحكم مركزية الطاقة في الجدل حول سوق الطاقة، ودورها المركزي في استقرار العرض والاستثمارات الرأسمالية المتواصلة في القطاع والاهتمام بتحولات الطاقة، وبالتالي أهمية "أرامكو" للاقتصاد الوطني باعتبارها شركة ذات مؤشرات عالمية ثابتة وناجحة، وتعد أكثر أهمية للاقتصاد العالمي.
وفي بعد اقتصادي آخر لا يخلو من الجدل أيضا، تذكر شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات TSMC. الجدل حول الشركة بسبب الصراع الاقتصادي الذي أخذ شكلا حمائيا في ردات فعل متشابهة بين الصين وأمريكا. الشركة أصبحت ربما الأكثر أهمية عالميا بسبب حيازتها نحو 90 في المائة من الموصلات الأكثر تقدما في صناعة محورية، ويقول عنها بعض المهتمين إنها نفط القرن الحالي. تبلغ قيمتها السوقية 465 مليار دولار حتى بعد التصحيح المؤثر في سوق الأسهم. المقارنة بين الشركتين بسبب الأهمية فقط، ولذلك بغرض تسليط الضوء على الأهمية عالميا ووطنيا، لأن الشركة التايوانية قد لا تكون معروفة للبعض.
الشركة دخلت الجدل الاقتصادي بسبب خطتها لاستثماراتها في أمريكا بمبالغ تصل إلى 40 مليار دولار لتأسيس مجمع موصلات متقدم في ولاية أريزونا. الاستثمار تعبير عن خطة أمريكية حكومية من خلال برنامج دعم يصل إلى نحو 52 مليار دولار للشركة وشركات أمريكية وكورية أخرى بهدف إعادة توطين هذه الصناعة في أمريكا بعد أن هجرتها إلى آسيا، فبعد أن نشأت الصناعة في أمريكا لم تعد أمريكا تصنع إلا نحو 13 في المائة من احتياجاتها والبقية في تايوان وكوريا واليابان. الأخطر من منظار أمريكي أن الصين شرعت في توطين الصناعة، وبالتالي منافسة أمريكا في كل صناعة توظف الحاسبات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والموصلات والأدوية وغيرها. كلاهما يرى أن الصناعة استراتيجية. هذه الصناعة أصبحت أكثر دقة وأعلى تكلفة لتأسيس مصنع، إذ يذكر بعض المختصين أن المصنع الواحد للمتقدم منها لا تقل تكلفته عن عشرة مليارات دولار.
هذه ليست أول تجربة لـ TSMC في أمريكا، إذ أسست مصنعا قبل 25 عاما ولم تكن تجربة مغرية لأسباب منها اختلاف التكلفة والثقافة، وبالتالي واضح أن اقتصادات الصناعة أفضل في تايوان والدول الآسيوية منها في أمريكا أو أوروبا. ربما بسبب تقدم الصناعة وخصائص اقتصاداتها أصبح التصميم في أمريكا وفي أوروبا إلى حد أقل بينما التصنيع أصبح تخصص دول شرق آسيا. الناحية التخصصية والتكلفة جعلت مورس شانق مؤسس TSMC، الذي يعرف الصناعة في أمريكا تماما، لأنه عمل لعقود مع تكساس إنسترومنت ورئيسها السابق، يصرح بنقد لتوجه الشركة، وليس الوحيد في تايوان، خوفا على نقل التقنية والمصالح إلى دول منافسة.
يقول مورس وآخرون إن اختلاف الظروف يجعل استثمار الشركة غير مناسب. فمثلا يقول إن لدى الشركة في تايوان منظومة متكاملة لا يمكن نقلها إلى بلد مختلف بتكليف أعلى بكثير. فالعلاقة بين الشركة وسلاسل الإمداد موثوقة والتواصل سهل من خلال قطار واحد، خاصة أن هناك بعض الصناعات الكيميائية. كذلك تكاليف الإنشاءات في أمريكا أربعة أضعاف مثيلاتها في تايوان بسبب التكاليف المباشرة والأجور والتراخيص، ففي تايوان جهة واحدة بينما في أمريكا هناك منافسة بين الحكومه الفيدرالية والولاية والإقليم في الشروط ومحاولة الاستفادة الضريبية. لكن ربما الأهم النواحي البشرية والمعرفية. فالأجور في أمريكا أعلى والمعرفة التصنيعية أقل، خاصة أن هناك منافسة كبيرة على الفنيين والمهندسين. لذلك تحذير مورس مهم جدا، إذ يقول ربما تغيرت أمريكا للأسوأ. في الأخير لا بد من قراءة الاستثمار من زاوية جيوسياسية في ظل المنافسة مع أمريكا وأخطار حرب بين الصين وتايوان/أمريكا. يقول المدير المالي للشركة إنها ستحافظ على هامش الربح الإجمالي عند 53 في المائة رغم ارتفاع التكاليف وذلك بتمريرها إلى عملائها. المصنع يستهدف نهاية 2024، حينه سنعرف أكثر عن طبيعة السوق وحالة الشركة.