مثلث الحرب الباردة الجديد «3 من 3»

تولى بعض كبار الدبلوماسيين على الجانبين أنتوني بلينكين وزير الخارجية الأمريكي ونظيره الصيني وانج يي دور مقاتلي الحرب الباردة الكلاسيكيين. الواقع أن خطابهما العدائي في مؤتمر ميونخ للأمن الأخير دل على خطابهما في أول لقاء بينهما في أنكوريج قبل ما يقرب من العامين.
من المغري الآن الاستخفاف بخطر اندلاع صراع كبير. فمصالح عالم اليوم المترابط الخاضع للعولمة التي أصبحت على المحك في النهاية، كبيرة إلى الحد الذي يجب أن يمنعه من المجازفة بإحداث انهيار زلزالي. الواقع أن هذه الحجة مألوفة بدرجة مؤلمة. فقد سيقت الحجة ذاتها في أوائل القرن الـ20، عندما كانت موجة العولمة الأولى في أوجها. بدت تلك الحجة مقنعة في نظر كثيرين حتى 28 حزيران (يونيو) 1914.
من الأهمية بمكان اليوم تحديث المقارنة التاريخية بـ2023 بما يدل على الاستراتيجية الكبرى لصراع الحرب الباردة. حدثت نقطة تحول حاسمة في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي في 1972، عندما ذهب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى الصين وانضم في النهاية إلى ماو تسي تونج في تنفيذ استراتيجية المثلث الناجحة ضد الاتحاد السوفييتي. اليوم، أصبحت الولايات المتحدة عند الطرف المتلقي لمثلث الحرب الباردة الجديد، حيث انضمت الصين إلى روسيا في شراكة "بلا حدود" تستهدف قوة الولايات المتحدة المهيمنة. يضع هذا التحول المحوري دروس 1914 تحت ضوء متزايد السطوع.
بعد الكتاب الذي نشرته أخيراعن صراع عرضي يندلع كنتيجة لمبارزة الروايات الكاذبة بين الولايات المتحدة والصين، يساورني القلق الآن خصوصا إزاء "التجزئة السردية". فكل طرف على يقين من احتفاظه بمكانة أخلاقية عالية مع تمايل الصراع بين الجانبين من واقعة إلى أخرى. من منظور الولايات المتحدة، كان منطاد المراقبة الصيني يشكل تهديدا للسيادة الوطنية. من جانب الصين، يشكل دعم الولايات المتحدة لتايوان تهديدا مماثلا. ثم تفضي كل نقطة من نقاط التوتر إلى سلسلة متوالية من الردود الانتقامية دون إدراك للعواقب الجانبية المترتبة على مثل هذه العلاقة الشديدة التضارب.
يبدو أن ثلاث قوى عظمى ـ أمريكا، والصين، وروسيا ـ أصابتها حالة شديدة من فقدان الذاكرة التاريخية. فجميعها تسير نائمة على مسار تصعيد الصراع، حاملة وقودا سريع الاشتعال قد يتحول بسهولة بالغة إلى حريق هائل. تماما كما حدث في 1914 أي في زمن اندلاع الحرب العالمية الأولى.
خاص بـ«الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي