عولمة اقتصادية مفتتة .. عواقبها سلبية «2 من 2»
نلاحظ أن الأمر الأكثر إثارة للقلق والانزعاج للدول الغربية أن روسيا وبعض حلفائها أحرزوا بعض التقدم أيضا في إنشاء نظام مدفوعات وتسويات مواز عبر الحدود، وإن كان بدائيا ويفتقر إلى الكفاءة. لكنه نجح في أن يقدم شيئا.
ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه خلال الأعوام القليلة المقبلة، مع حرص الشركات بشكل متزايد على تنويع سلاسل التوريد بعيدا عن الصين، ومع لجوء الحكومات الغربية لجلب التصنيع في الخارج إلى البلدان القريبة والصديقة للحفاظ على إنتاج المدخلات الحرجة والصادرات الحساسة.
باختصار، سيؤثر ذلك الخليط من الصدمات الجيوسياسية، والاستراتيجيات الشركاتية، والقيم الاجتماعية المتغيرة، في أنماط التجارة والاستثمار على طول أربعة محاور رئيسة. مع حرص الشركات على اختيار المرونة قبل الكفاءة، فستعمل بشكل متزايد على تحويل نهجها في إدارة سلاسل التوريد من "حسب الحاجة" إلى "على سبيل الاحتياط". وسيأتي هذا في وقت حيث تكتسب المخاوف الأمنية قدرا أعظم من الثقل في الاعتبارات التجارية، وستبتعد الشركات عن تقاسم المخاطر والشراكات العامة إلى ترتيبات أضيق تصميما. من ناحية أخرى، سيبحث المستهلكون على نحو متزايد عن التأكيد على الغرض في تفاعلاتهم التجارية.
في حين إن هذه العملية ستنتج فائزين وخاسرين، فستعتمد هوياتهم إلى حد كبير على الكيفية التي سيتكيف بها صناع السياسات مع نموذج التشغيل الجديد للاقتصاد العالمي. على سبيل المثال، ستستفيد المكسيك من مبدأ دعم الأصدقاء الذي تنتهجه الولايات المتحدة، فضلا عن تحول قطاع الشركات إلى سلاسل توريد أكثر تنوعا. مع ذلك، كما أدركت الحكومة المكسيكية ذاتها، لن يترجم الطلب الوطني إلى طلب فعال ما لم يعمل صناع السياسات على التعجيل بالتقدم في مجالات البنية الأساسية، والطاقة النظيفة، وإلغاء الضوابط التنظيمية، وما إلى ذلك.
في عالم حيث تحرص الأسر على تجنب تفاعلات تجارية بعينها، يجب أن تعمل الحكومات والشركات بجدية أكبر لابتكار البدائل. يجب أن تعمل الشركات مع الحكومات، سواء في الداخل أو الخارج، لتسهيل العملية الشائكة بطبيعتها المتمثلة في إعادة توصيل سلاسل التوريد والتعجيل بالتحول الأخضر. ينبغي لصناع السياسات على المستويين الوطني والعالمي أن يعكفوا على مراجعة طريقة تفكيرهم وعملهم. كما ينبغي لمستثمري الأجل الطويل أن يعملوا على دمج تحليلات جيوسياسية، واجتماعية سياسية، وبيئية في استراتيجيات التخصيص التي يطبقونها.
في حين قد يعد بعض المراقبين عبارة "العولمة المفتتة" تناقضا لفظيا، فأنا شخصيا أعتقد أنها السيناريو الأكثر ترجيحا للاقتصاد العالمي. مع انقسام العالم على نحو متزايد إلى تكتلات متفرقة، قلة منها أكثر سيولة من غيرها، من المرجح أن تصبح العولمة أكثر ميلا إلى التضخم، ما يقلل من النمو المحتمل. يتوقف تجنب هذه النتيجة على كيفية تعامل الحكومات الوطنية والمؤسسات متعددة الأطراف مع الواقع الاقتصادي الجديد. قد لا تنحسر العولمة بشكل كامل عن العالم، لكن هذا لا يعني أننا نستطيع أن نفترض إبحارا سلسا في المستقبل.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.