من المتسبب في انهيار البنوك؟

على الرغم من عدم الإقرار العلني بذلك، إلا أن سبب الأزمة البنكية في الولايات المتحدة يعود إلى قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بإجراء عمليات رفع غير مسبوقة، لمستويات الفائدة بشكل كبير وسريع خلال فترة قصيرة نسبيا. ردة الفعل الساحقة التي قادها رئيس الاحتياطي الفيدرالي لكبح جماح تضخم الأسعار ربما ليست مبررة بشكل كامل، وذلك لكون مسببات التضخم في مجملها ليست نقدية، بل إنها في المجمل نتيجة تدابير الصين بشأن فيروس كورونا والاختناقات في سلاسل الإمداد والحرب الروسية- الأوكرانية. لذا فإن عمليات السيطرة على السيولة النقدية التي يقوم بها الاحتياطي الفيدرالي ليست بالضرورة العلاج المباشر للتضخم، على الرغم من أنها لا شك تؤثر في النشاط الاقتصادي وتؤدي إلى تراجع الأسعار.
في المقابل نجد أن النتيجة الحتمية لتسارع رفع معدلات الفائدة أن تحدث هناك اختلالات اقتصادية تؤدي في بعض الأحيان إلى وقوع أزمات مالية، كما حدث لبعض البنوك الأمريكية وما نتج عنه من قلق وهلع في الولايات المتحدة وخارجها، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي بايدن إلى الخروج بخطاب قصير من البيت الأبيض موضحا أن الحكومة تضمن أن يستعيد المودعون ما خسروه، لكن "ستأتي الأموال من الرسوم التي تدفعها البنوك لتأمين الودائع". كما أعلن بايدن أنه سيتم طرد مديري بنك سيليكون فالي، بعدما توعد في تغريدة "بتحميل المسؤولية للفاعلين الماليين الذين أحدثوا هذه الفوضى".
مشكلة بنك وادي السيليكون، وبنوك كثيرة مشابهة له في أوضاعها، أن البنك اضطر إلى تسييل محفظ السندات لديه، فقام بيع سندات طويلة الأجل لتوفير السيولة التي يحتاج إليها عملاؤه من شركات ناشئة وأفراد، والذين بسبب الأوضاع الاقتصادية في الآونة الأخيرة بدأوا يعتمدون بشكل متزايد على ودائعهم لدى البنك للوفاء بالتزاماتهم المالية.
ما فاقم الأمور أن البنك اضطر إلى البيع بخسارة بسبب انخفاض أسعار ما لديه من سندات نتيجة الارتفاع غير المسبوق لمعدلات الفائدة، فقام البنك ببيع سندات بمبلغ 21 مليار دولار، محققا بذلك خسارة بمقدار 1.8 مليار دولار، أي خسارة استثمارية بنسبة 8.6 في المائة، وهذه تعد نسبة خسارة كبيرة لمستثمري السندات. ومن ثم أعلن البنك الأسبوع الماضي أنه بحاجة إلى رفع رأس ماله بمقدار 2.25 مليار دولار بسبب نقص السيولة، فأحدث ذلك حالة من الفزع لدى العملاء الذين تسارعوا إلى سحب ودائعهم أو تحويلها إلى بنوك أخرى كبيرة.
أليس من المفترض أن تتحصل البنوك على ما تحتاج إليه من سيولة بطرق عديدة، كالاقتراض المباشر من الاحتياطي الفيدرالي أو من البنوك الأخرى؟ المشكلة هنا أن معدلات الفائدة مرتفعة جدا بحيث إنه من غير الممكن للبنوك توفير السيولة اللازمة بتكلفة مقبولة، لذا أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي ترتيبات جديدة تسمح للبنوك بالحصول على السيولة المؤقتة دون الحاجة إلى بيع ما لديهم من سندات، وهذا من شأنه أن يخفف من حجم المشكلة لدى البنوك الأخرى.
ردات الفعل من قبل الاحتياطي الفيدرالي وغيره من السلطات المالية سببها التخوف من تمدد المشكلة وتفاقمها، لذا رأينا على الفور انخفاضات حادة في معدلات الفائدة على السندات الأمريكية العشرية من أكثر من 4 في المائة الخميس الماضي إلى 3.4 في المائة، نتيجة ارتفاع أسعار تلك السندات من 110 نقاط إلى 115 نقطة خلال يومين فقط. كذلك هناك ارتفاع كبير ومماثل في العقود المستقبلية للدولار الأوروبي وفي عقود معدلات سوفر، معدل الفائدة البديل لمعدل لايبور.
لكن الأسواق تترقب ما يتمخض عن اجتماع البنك المركزي الأوروبي الخميس، وما إذا كان سيتراجع عن عزمه رفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، كما أعلن سابقا وكما هو متوقع بسبب الارتفاع الكبير في نسبة التضخم في أوروبا.
إن حصل بالفعل توقف عن رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، وربما لاحقا خفضها، فإن ذلك سيعود بفوائد كبيرة على الأسواق المالية التي بدأت بالفعل تتحرك نتيجة هذه التطورات، وبالطبع لن نعلم عن توجهات الاحتياطي الفيدرالي إلا في 22 آذار (مارس) الجاري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي