فشل البنوك بين الثقة والملاءة

البنوك كشركات أعمال خاصة لا بد أن تفشل مثلها مثل غيرها من الأعمال الأخرى، لكن كلما كبر حجم البنك ارتفعت أهمية دوره في الاقتصاد وطالب بالحماية من السلطات في بلده. لذلك من الطبيعي أن يحاول الملاك والإدارة استغلال الأهمية للضغط على القطاع العام في الحصول على الدعم. القطاع المصرفي دائما في وضع خاص، فهو يتمتع بميزات القطاع الخاص، وفي الأغلب يستغل الأموال العامة لأن مسؤوليات الحكومات في الأخير سلامة وسلاسة الاقتصاد والحياة العامة التي يتوقف فيها البيع والشراء والأجور دون توافر الأموال والسيولة النقدية. لذلك فشل القطاع المصرفي كارثي، لكن طبيعة أعماله بالإقراض لأعمال قابلة للنجاح والفشل والتعثر لا بد أن يفشل بعضها في بعض الأوقات، فضلا عن حالة عامة يفشل فيها الجميع بسبب الترابط المالي والاقتصادي.
أهم ناحية في عمل المصارف أنها في الأغلب تعتمد على ودائع قصيرة الأجل، لكنها تقرض لمدد أطول وتستثمر عادة في سندات أطول. عدم التجانس الزمني يجعلها معرضة للانكشاف بسرعة، فحين يخاف المودعون على أموالهم ويسحبونها يقع البنك في ورطة كبيرة قد تفلس به. كذلك هناك محاذير ومخاطر أخرى في الإقراض والتزامن بين المطلوبات "الودائع" والأصول "القروض والاستثمارات". الترابط المالي بين المصارف هيكلي من خلال الإقراض لبعض لأغراض السيولة والاستغلال الأمثل لاستثمار الأموال. هذا يولد درجة من الاعتماد على بعض، لذلك إذا تعثر بنك في الأغلب يؤثر في البنوك التي تتعامل معه، ما يؤثر في تصرفاتها وبالتالي سرعان ما يحاول تفادي التعامل معه ويرفع من وتيرة المخاطر.
العصر المعلوماتي ينقل المعلومة بسرعة، لذلك قد يأتي التأثير أو الفشل أحيانا بسرعة، لأن كثيرين يبدأون المراهنة على تفادي المخاطر ما يزيد المخاطر على الجميع، أحيانا يصل إلى حالة الهلع، كما حدث في 2008، وبالتالي يضرب النظام المالي في مقتل ويؤثر في الاقتصاد الحقيقي. ولذلك تضطر السلطات إلى التعامل مع المصارف بطريقة لا تخلو مما يسمى في صناعة التأمين moral hazard ـ بمعنى أن الحماية تولد الإهمال، لذلك تجد لوما كبيرا بعضه مبرر على إدارة المصارف بأنها تستفيد من نجاح أعمال المصارف، وتتفادى المخاطر والعقوبات على الرغم من دورها في الفشل الإداري.
أسباب فشل البنوك كثيرة لكن الإدارة الناجحة دائما تحت ضغط، لأنها كلما أصبحت محافظة تقارن بالإدارات الأخرى الأكثر جرأة، وبالتالي تحقيق مكاسب أعلى في أوقات تبدو الأوضاع "عادية"، كما أن الحوافز المالية في الأغلب تدفع بالإدارات لأخذ مخاطر أعلى وربما حتى بعض الملاك، حيث إن ارتفاع الأرباح يقود لارتفاع الأسهم في وقت لم تعد ملكية الأسهم طويلة.
إجمالا، سلامة القطاع تحكمها الثقة والملاءة المالية في تداخل يتغير حسب الظروف الموضوعية لكل بلد وكفاءة أجهزته الرقابية. في المملكة في المجمل التجربة جيدة جدا من ناحية الرقابة والالتزام بالقواعد العالمية تنظيميا ورقابيا وفي الملاءة المالية والثقة بالاقتصاد والسياسة المالية. كذلك خدم المملكة عدم الاندفاع لتكاثر البنوك، لذلك تجد العدد يكفي للمنافسة وتحفيز الاستثمار فيه بالتقنية والكوادر البشرية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي