النفط يتعافى مع انحسار الأزمة المالية
بعد انخفاض 10 في المائة في أسبوعين، قفزت أسعار النفط 5 في المائة بداية الأسبوع الماضي مع تراجع المخاوف بشأن القطاع المصرفي، وإغلاق 450 ألف برميل يوميا "نحو 0.5 في المائة من المعروض اليومي العالمي" من صادرات النفط الخام من إقليم كردستان العراق. هذا، بالطبع، زاد مخاوف المشاركين في السوق من إمدادات النفط. لا تزال المفاوضات جارية لكن خط الأنابيب لا يزال مغلقا ويتم إغلاق الإنتاج أيضا بسبب سعة التخزين المحدودة. وفقا لباركليز، تعليق الصادرات حتى نهاية العام سيضيف ثلاثة دولارات إلى السعر المستهدف لخام برنت البالغ 92 دولارا للبرميل. لكن، من المستبعد أن تظل الصادرات متوقفة حتى نهاية العام.
علاوة على ذلك، أعلنت المملكة، أكبر منتج في "أوبك"، على المنظمة أن تحافظ على استقرار الإمدادات في 2023، لأنها تركز على التعافي الهش في الطلب العالمي على النفط، الذي شابه أخيرا الاضطرابات في القطاع المصرفي. كخطوة احترازية مفاجئة أعلنت المملكة ومجموعة من دول "أوبك +" الأحد الماضي تخفيضات طوعية لإنتاج النفط بواقع 1.657 مليون برميل يوميا منذ بداية مطلع أيار (مايو) المقبل حتى نهاية 2023. ستكون هذه التخفيضات إضافة إلى التعديل الطوعي الذي أعلنته روسيا الاتحادية، بمقدار 500 ألف برميل يوميا، حتى نهاية 2023. تهدف هذه التخفيضات إلى إعادة توازن السوق ودعم استقرار أمن الطاقة.
من ناحية أخرى، أشار نائب رئيس الوزراء الروسي إلى أنه يتعين على البلاد زيادة الصادرات إلى الدول الآسيوية، قائلا إن الإمدادات إلى الهند نمت إلى مستويات لم تشهدها منذ أكثر من عقدين. ومن المتوقع أيضا أن تنمو واردات الصين من النفط الخام 6.2 في المائة في 2023، لتصل إلى 540 مليون طن، وفقا للتوقعات السنوية لمؤسسة البترول الوطنية الصينية.
في المقابل، أدت الإضرابات النقابية في فرنسا وألمانيا إلى توقف النشاط الاقتصادي الأسبوع الماضي، ما يشير إلى بعض التراجع قصير الأمد في الطلب على النفط. عانت المصافي الفرنسية اضطرابات، في حين أن النقل الجوي والنقل العام توقفا في ألمانيا.
تراجع الأسعار في الشهر الماضي كان مدفوعا بتوترات السوق وسط مخاوف من السيولة في القطاع المصرفي، التي شهدت انهيار بنكين أمريكيين واستيلاء بنك يو بي إس UBS على كريدي سويس السويسري. كما أسهمت المضاربة في صفقات شراء النفط في انخفاض أسعار العقود الآجلة. من الآن فصاعدا، ستحدد صحة القطاع المصرفي العالمي والاقتصاد، وكذلك سياسة سعر الفائدة الأمريكية، ما إذا كان 70 دولارا للبرميل هو أقل سعر لخام برنت هذا العام، أو قد يرتفع إلى 100 دولار للبرميل إذا إعادة فتح الاقتصاد الصيني كانت قوية في الاتجاه الصعودي.
أدى انهيار بنك سيليكون فالي منذ أكثر من ثلاثة أسابيع إلى عمليات بيع واسعة النطاق. كانت سوق النفط ضحية مبكرة للانحدار الحاد حيث فر المستثمرون من الأصول ذات المخاطر العالية واندفع المضاربون لإغلاق المراهنات على ارتفاع أسعار النفط، لتجنب الانكشاف في حالة حدوث أزمة مصرفية عالمية وركود آخر.
كان مشترو العقود الآجلة للنفط الخام يتخذون صفقات شراء صافية كبيرة - الفرق بين الرهانات الصعودية والهابطة - قبل انهيار بنك سيليكون فالي. هيكلية التراجع لمنحنى أسعار برنت، وانخفاض التقلبات منذ تشرين الثاني (نوفمبر)، وإعادة فتح الاقتصاد الصيني شجعت مديري الصناديق على زيادة رهاناتهم على ارتفاع أسعار النفط. وعندما جاءت أزمة القطاع المصرفي، أدت التصفية الجماعية لفترات الشراء الطويلة إلى تفاقم انخفاض أسعار النفط.
حيث، باعت صناديق التحوط ومديرو الأموال الآخرون خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت بأسرع وتيرة منذ أكثر من عقد في الأسبوعين المنتهيين في 21 آذار (مارس). في هذا الجانب، ذكر بنك ساكسو Saxo Bank أن إجمالي صافي الشراء في المجمع البترولي قد انخفض الآن 50 في المائة منذ منتصف كانون الثاني (يناير) عندما كان الطلب من إعادة فتح الصين هو محور تركيز السوق.
لكن، في الأسبوع الماضي، بدأت معنويات السوق في التحسن حيث بدأت المخاوف بشأن النظام المصرفي في التراجع، على الأقل في الوقت الحالي. قفزت أسعار النفط 5 في المائة بداية الأسبوع الماضي، مع عودة خام غرب تكساس الوسيط فوق 70 دولارا للبرميل. سمح ذلك للسوق بتحويل التركيز إلى مخاوف الإمدادات من العراق، حيث أدى وقف تصدير 450 ألف برميل في اليوم من صادرات الخام من إقليم كردستان إلى ارتفاع الأسعار. كما أن وضع المضاربة الأكثر توازنا لمديري الأموال يعني أيضا أنه قد يكون هناك اتجاه صعودي للنفط في المستقبل، باستثناء مخاوف أخرى في القطاع المصرفي.
مع ذلك، خفضت البنوك الكبرى - بما في ذلك باركليز، جولدمان ساكس - توقعاتها لأسعار النفط لهذا العام بعد انخفاض الأسعار الأخير، لكنها لا تزال تتوقع أن يصل متوسط أسعار النفط إلى أكثر من 80 دولارا للبرميل، حتى أكثر من 90 دولارا للبرميل في 2023. يتوقع كبار تجار النفط في العالم انتعاشا في الأسعار بقيادة الصين. كما قال البعض إن أسواق السلع الأساسية من المرجح أن تنجو من انهيار القطاع المصرفي وتتجنب انهيار الطلب والأسعار كما حدث في الأزمة المالية 2008 - 2009.
بالفعل، في الأسبوع الماضي حققت أسعار النفط مكاسب أسبوعية للمرة الثانية على التوالي، مدفوعة باضطراب الإمدادات، وتراجع المخاوف من حدوث أزمة مصرفية، وإظهار بيانات التضخم في الولايات المتحدة بعض المؤشرات على تباطؤ ارتفاع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك. وفي ختام جلسة الأسبوع الماضي، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت إلى 79.89 دولار للبرميل وارتفع خام غرب تكساس الوسيط إلى 75.67 دولار للبرميل لتبلغ مكاسبه الأسبوعية نحو 9 في المائة.
لبقية العام، ستراقب الأسواق كيف يتطور طلب الصين على النفط بعد إعادة فتح الاقتصاد وكيف سيتصرف بنك الاحتياطي الفيدرالي في سياسة رفع معدلات الفائدة. عندما رفع أسعار الفائدة بمقدار 0.25 نقطة مئوية أخيرا، قال الاحتياطي الفيدرالي إن معدل الذروة قريب، وإن الأسواق تتوقع بالفعل خفضا في وقت لاحق من هذا العام. ويمكن أن تؤثر معدلات الفائدة المرتفعة أيضا في توافر رأس المال لمنتجي النفط الأمريكيين في الأشهر المقبلة، ما قد يقيد نمو العرض في الولايات المتحدة. حيث إن السياسات النقدية المثبطة للاقتصاد ستؤثر في الإنفاق وتشدد شروط الائتمان، وستؤثر أيضا في رأس المال المتاح لتطوير النفط والغاز الطبيعي الذي سيستغرق شهورا للتعافي، ما يؤدي إلى توقعات أكثر تشددا للإمدادات لبقية العام. وفي الوقت نفسه، قد يتجاوز النمو الاقتصادي الصيني الأهداف التي وضعتها الحكومة، وقد يرتفع معدل تنقل المستهلكين وإنفاقهم بعد إعادة فتح الاقتصاد الذي قد يؤدي إلى زيادة متجددة في أسعار سلع الطاقة، خاصة النفط الخام. من المرجح أن تظل تقلبات السوق مرتفعة، لكن الانتعاش القوي في الطلب الصيني على النفط وسط تشدد نمو العرض قد يدفع أسعار النفط إلى الأعلى في وقت لاحق من هذا العام.