لا ثقة بالاحتياطي الفيدرالي «2 من 2»

تمارس البنوك دوما تبديل وتعديل آجال الاستحقاق، فتحول الودائع قصيرة الأجل إلى استثمارات طويلة الأجل. وفي حين تتسم هذه العملية بالخطورة بطبيعتها، فإن البنوك كثيرا ما تستسلم لإغراء المقامرة بأموال مودعيها إذا تحمل دافعو الضرائب بشكل مباشر أو غير مباشر مخاطر الجانب السلبي. هذا ما فعله بنك سيليكون فالي، فقد استثمر بعض ودائع العملاء في أوراق مالية طويلة الأجل وآمنة ظاهريا، مراهنا على أن أسعار الفائدة طويلة الأجل لن ترتفع. لا يجوز للقائمين على الإشراف أن يسمحوا بحدوث مثل هذا الأمر، وينبغي لهم أن يجعلوا هذا جزءا أساسيا من اختبارات الإجهاد إذا حدث.
مع ذلك، سمح الاحتياطي الفيدرالي بحدوث ذلك، وبإهماله الدور الذي تضطلع به زيادات أسعار الفائدة في إحداث هشاشة القطاع المالي، تسبب في تقويض فاعلية اختبارات الإجهاد. إضافة إلى هذه الأخطاء الإشرافية، كان انهيار بنك سيليكون فالي مسبوقا بإخفاقات تنظيمية، حيث عمل الاحتياطي الفيدرالي في عهد باول على تخفيف القيود التنظيمية المفروضة على البنوك مثل بنك سيليكون فالي، والتي عدها ذات أهمية اقتصادية إقليمية لكنها ليست مهمة على المستوى الجهازي.
الواقع أن أغلب الناس لا يملكون القدرة، أو الموارد، أو إمكانية الوصول إلى المعلومات اللازمة لتقييم سلامة البنوك. تشكل مثل هذه التقييمات منفعة عامة أساسية، وعلى هذا فإنها تندرج تحت مسؤوليات الحكومة. إذا كان بوسع أي بنك قبول أموال عامة، فيجب أن يكون عامة الناس على يقين من قدرته على رد أموالهم إليهم. لقد فشلت حكومة الولايات المتحدة، خاصة بنك الاحتياطي الفيدرالي، في هذا الصدد.
يسعى الاحتياطي الفيدرالي، مثله في ذلك كمثل بنوك مركزية مستقلة أخرى، إلى حماية مصداقيته. وقد استشهد بعض المراقبين بخطر خسارة الاحتياطي الفيدرالي مصداقيته كسبب لزيادات أسعار الفائدة في العام الماضي، والتي ذهبت إلى ما هو أبعد كثيرا من تطبيع أسعار الفائدة شديدة الانخفاض التي اتسمت بها حقبة ما بعد 2008. ولكن بإخفاقه في إدراك المخاطر التي تفرضها الزيادات السريعة في أسعار الفائدة، وكيف أفضى أكثر من عقد من الزمن من أسعار الفائدة القريبة من الصفر إلى تفاقم هذه المخاطر، قوض الاحتياطي الفيدرالي مصداقيته ـ وهي على وجه التحديد النتيجة التي سعى إلى تجنبها.
الأسوأ من ذلك أن زيادات أسعار الفائدة تعكس سوء تشخيص الاحتياطي الفيدرالي لمصدر التضخم، الذي كان مدفوعا إلى حد كبير بصدمات على جانب العرض وتحولات على جانب الطلب مرتبطة بجائحة كوفيد - 19 والحرب الدائرة في أوكرانيا. علاوة على ذلك، إذا لم تتسبب أسعار الفائدة متزايدة الارتفاع في إحداث انكماش اقتصادي حاد، فقد تؤدي في واقع الأمر إلى زيادة التضخم سوءا. من العوامل الرئيسة التي تسهم في الزيادات في مؤشر أسعار المستهلك ارتفاع أسعار الإيجار نتيجة نقص المساكن، والذي تؤدي أسعار الفائدة الأعلى إلى تفاقمه. من ناحية أخرى، قد تؤدي استراتيجية الحد من التضخم التي ينتهجها الاحتياطي الفيدرالي إلى دفع معدل البطالة بين الشباب الأمريكيين من أصل إفريقي إلى القفز إلى مستوى يتجاوز 20 في المائة، وهذا من شأنه أن يخلف ندوبا طويلة الأجل على بلد يتسم بالتفاوت الشديد.
في ظل الظروف الحالية، خسر الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه المصداقية على كل الجبهات. لقد كشفت الأزمة الحالية عن فشل الاحتياطي الفيدرالي في معالجة قضايا الحوكمة التي أسهمت في اندلاع أزمة 2008. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك أن جريج بيكر الرئيس التنفيذي لبنك سيليكون فالي، كان عضوا في مجلس إدارة بنك الاحتياطي الفيدرالي الإقليمي الذي كان المفترض أن يشرف على بنكه.
يتبقى لنا أن نرى ما إذا كانت الاضطرابات المالية التي لا تزال تختمر بفعل انهيار بنك سيليكون فالي لتتحول إلى أزمة أشد عمقا، لكن المستثمرين والمودعين ليس لديهم من الأسباب ما يحملهم على الثقة بتأكيدات الاحتياطي الفيدرالي بأن هذا لن يحدث. لن يتسنى استرداد الثقة بمصداقية البنوك والاحتياطي الفيدرالي إلا من خلال إصلاحات حقيقية للتأمين على الودائع، والحوكمة، والبنية التنظيمية، والإشراف.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي