أسواق النفط والتعامل مع مخاوف الركود
خلال الأسبوع الماضي، تراجعت أسعار النفط للأسبوع الثالث على التوالي، وانخفضت 6 - 7 في المائة على الرغم من الارتفاع الكبير، الجمعة، حيث تحاول السوق إعادة التوازن والفصل بين المعنويات الهبوطية وأساسيات السوق. بالفعل، ارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط 2.87 دولار للبرميل "+4.05 في المائة" إلى 71.34 دولار للبرميل، معوضا كثيرا -لكن ليس كل- خسائر الأسبوع السابقة. ارتفع خام برنت بمقدار 2.80 دولار "+3.86 في المائة" للبرميل إلى 75.30 دولار للبرميل.
يمكن أن يعزى كثير من انخفاض الأسعار إلى نظرة مخيبة للآمال للطلب على النفط من الصين، على خلفية ضعف نشاط التصنيع، الذي تفاقم بسبب تجدد المخاوف المصرفية في الولايات المتحدة. ومع ذلك، لم يتغير شيء يذكر في أساسيات سوق النفط، وتتطلع السوق إلى إجراء هذا التصحيح. في حين أن مخاوف الركود هي أكثر من مجرد توتر في السوق، هناك أيضا كثير من القضايا المتعلقة بجانب العرض قد تركز عليها الأسواق في النصف الثاني من العام.
بالفعل، تواصل الأسواق تضمين مخاطر الركود في أسعار النفط، وتراقب بقلق المشكلات في القطاع المصرفي الأمريكي. كما كان متوقعا، رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة الرئيس إلى 5 - 5.25 في المائة وأعطى السوق إشارة إلى أنه مستعد للتوقف مؤقتا في دورة التشدد وعدم رفع تكلفة الاقتراض أكثر. تعد هذه إشارة إيجابية للسوق. لكن، هذا لم يساعد أسعار النفط، حيث استمرت في الانخفاض.
لا يزال الوضع غير مؤكد. حيث قد تتصاعد المشكلات في القطاع المالي، ولم يتم بعد تقييم حجم الكارثة. في الوقت نفسه، لا يزال التضخم مرتفعا ولا يسمح بتخفيف السياسة النقدية. بالنسبة إلى أسعار النفط، ينطوي هذا على مخاطر، لأن الطلب على الوقود يعتمد بشكل كبير على النشاط الاقتصادي. كلما زادت المشكلات في الاقتصاد، كانت توقعات النفط أسوأ.
وما فاقم الوضع، تحذير وزيرة الخزانة الأمريكية من أن أموال الحكومة الفيدرالية قد تنفد لدفع فواتيرها في وقت مبكر من الشهر المقبل دون رفع حد الدين. عمليا تحل المشكلة برفع السقف، كما حدث أكثر من مرة. لا تكمن المشكلة في رفع سقف الدين إلى حد كبير، لكن في حقيقة أن المشكلات في القطاع المالي تنمو مثل كرة الثلج، ولم يتضح بعد ما سينتج عن ذلك في النهاية.
في الوقت نفسه، أدى الانكماش المفاجئ في أنشطة التصنيع في الصين إلى تراجع التفاؤل بشأن توقعات الطلب على النفط. من الواضح أن البيانات الصينية ليست الأفضل حقا. حيث، انخفض مؤشر مديري المشتريات PMI في الصناعة التحويلية في نيسان (أبريل) إلى حد أدنى قدره 49.2 نقطة في أربعة أشهر من 51.9 نقطة في آذار (مارس). في حين، توقعت السوق أن يكون المؤشر 51.7 نقطة. تشير قيمة المؤشر التي تقل عن 50 نقطة إلى انخفاض في النشاط في القطاع.
وتمارس ضغوط إضافية على أسعار النفط من خلال الأخبار التي تفيد بأن إمدادات النفط في 2023 قد تكون أقوى من المتوقع. على الرغم من كل تخفيضات "أوبك+"، لا يزال بعض الدول يزيد الإنتاج. كما تتزايد الشكوك في أن روسيا تخفض بالفعل إنتاجها بمقدار 0.5 مليون برميل يوميا. وفقا لـ"بلومبيرج"، ظلت صادرات النفط الروسي المنقولة بحرا قوية في الأسبوع الأخير من أبريل، عند 4.1 مليون برميل يوميا. ظل متوسط الأربعة أسابيع عند 3.4 مليون برميل في اليوم. وتشير الوكالة إلى أنه بعد شهرين من التعهد بخفض الإنتاج بمقدار 0.5 مليون برميل يوميا، لا توجد مؤشرات تؤكد هذه الوعود. لم تشهد الصادرات البحرية ولا استخدام المصافي انخفاضا كبيرا.
في الولايات المتحدة، انخفض احتياطي النفط، الأسبوع الماضي، بمقدار 1.3 مليون برميل، بما يتماشى مع التوقعات عند 1.1 مليون برميل. في الوقت نفسه، يتسارع السحب من الاحتياطيات الاستراتيجية، في الأسبوع الماضي انخفض احتياطي البترول الاستراتيجي بمقدار مليوني برميل أخرى. وبذلك بلغ إجمالي التخفيض في الاحتياطيات 3.3 مليون برميل. كما انخفضت مخزونات نواتج التقطير بمقدار 1.2 مليون برميل. لكن مخزونات البنزين قفزت بشكل غير متوقع بمقدار 1.7 مليون برميل. وانخفض إجمالي المعروض من المنتجات البترولية، وهو مؤشر غير مباشر للطلب، بمقدار 400 ألف برميل يوميا إلى 19.8 مليون برميل يوميا.
لم يساعد تقرير إدارة معلومات الطاقة أسعار النفط - على العكس من ذلك، سارعت الأسعار في الانخفاض، حيث لم يجد المشاركون في السوق سببا للانتعاش في البيانات. للمرة الأولى هذا العام، تراجعت مخزونات النفط الخام الأسبوع الماضي إلى ما دون متوسط الخمسة أعوام، وهو تطور فشل في دعم أسعار النفط، ما يشير إلى أن العلاقة العكسية التقليدية بين المخزونات وأسعار النفط قد تعطلت ولو مؤقتا.
في غضون ذلك، لا تزال مخاطر العرض قائمة، حيث لم يتوصل العراق وإقليم كردستان بعد إلى اتفاق يسمح باستئناف صادرات الخام من منطقة الحكم الذاتي. إذا هدأت مخاوف الركود في الولايات المتحدة في مرحلة ما، فقد يتم استبدالها بقلق بشأن العرض قد يدفع النفط إلى الارتفاع. ستنظر أسواق النفط الآن في بيانات مخزون النفط الخام الأمريكية هذا الأسبوع، التي يتوقع عديد من المحللين أن تبلغ عن تراجع ثالث على التوالي، ما قد يعزز أسعار النفط أو يساعد على وقف الخسائر. لكن إذا استمر الوضع في التدهور، فقد تضطر "أوبك+" إلى اللجوء لتخفيضات جديدة لتحقيق الاستقرار والتوازن في السوق.