متى تهلك الثقة بالنفس صاحبها؟
هل تتعارض خاصية الثقة بالذات مع التفكير الحكيم، والناضج؟ سؤال يتردد علي بين فينة وأخرى، خاصة عندما أشاهد تصرفا غريبا، وخطيرا، أو عندما أقرأ، أو أسمع خبرا كهذا، ويزيد السؤال إلحاحا علي عندما يكون التصرف الأحمق قد صدر من شخص كبير، ليس في سن المراهقة، أو من شخص مكانته الاجتماعية ودوره الوظيفي يفترض أنهما أكسباه خبرة تكفي لتجنب مثل هذا التصرف.
قد يتساءل القارئ لماذا تمت المقارنة بين الأمرين، ولاتضاح الموضوع تجب الإشارة إلى أن الثقة بالنفس قد لا تكون نمت لدى الفرد بشكل طبيعي، وإنما حدثت بصورة طفرة غير طبيعية مثل الطفرات المفاجئة التي تحدث لبعض النباتات حينما يحدث تدخل بمادة كيميائية، أو بعملية تطعيم غير متقنة المراحل والإجراءات، فتنمو الشجرة بصورة مشوهة، ومغايرة لما عهده الناس في شكلها، أو لونها، أو حتى ثمارها.
الثقة بالذات الزائدة عن الحد تقود صاحبها إلى تصرفات طائشة، وغير محسوبة النتائج، لأن صاحبها لا ينظر إلى الأمام، وإنما يقتصر نظره إلى ما هو أسفل قدميه، غير آبه بالنتائج المترتبة على هذا السلوك الذي أقدم عليه، الثقة الزائدة عن الحد تحدث نتيجة تربية خاطئة من الأبوين، لرغبتهما أن يريا ابنهما قادرا على فعل أي شيء، حتى لو تم ذلك بصورة متهورة تنتج عنها مضار صحية، أو مادية، كخسارة نتيجة المجازفة، والطيشان، كما أن الثقة الزائدة تحدث عن طريق الإيحاء من الأقارب، والأصحاب رغبة منهم في عدم وقوعهم في خطر، وجعل قريبهم، أو صاحبهم يمر بالتجربة، حتى لو فقد فيها حياته، كما تتشكل الثقة الزائدة عن الحد من العدو الذي يصور الفرد بالشجاع، والمقدام، والقوي، وذلك بهدف توريطه في مجازفات لا تحمد عقباها.
أذكر مثالا على سعي العدو إلى دفع لفرد ما نحو الهاوية ما زاوله الإعلام الأمريكي المكتوب، والمقروء لأعوام قبل غزو العراق الكويت، إذ كان يصف الرئيس صدام حسين برجل العراق القوي، وصاحب المواقف الحاسمة، وغير المترددة، ومن يرجع إلى الإعلام الأمريكي في تلك الحقبة سيجد عبارات التعظيم، والتضخيم، وإعلاء الشأن لصدام تتكرر بصورة مبالغ فيها، بالطبع ما يذكر في إعلام دولة مؤثرة كأمريكا يكون محل اهتمام السفارات، والجهات ذات العلاقة في الدولة لتعرض على صاحب الشأن الذي يغتر، ويفرح بما يقال عنه من تمجيد، ويواصل بدوره مغامراته، ونزواته الطائشة، وهذا في يقيني ما حدث، حيث تمت صناعة ذات متضخمة تحكم على أفعالها من خلال ما يقال عنها، وعنه، كصاحب إنجاز لا يشق له غبار.
يقول رجل الاستخبارات الأمريكي الذي كان يحقق مع صدام حسين في المعتقل عندما طرح على صدام موضوع غزو العراق، واحتلاله وضع يديه على رأسه، وصار يضرب بهما رأسه ما يعني حالة الندم التي يشعر بها نتيجة الخطأ الفادح الذي وقع فيه. السؤال الذي يطرح هل تضخم الذات كان سببا لاتخاذ قرار غير حكيم، أو بمعنى آخر، هل تضخم الذات تسبب في ضعف الأحكام العقلية التي تكشف الإيجابيات، والسلبيات، والمخاطر المتوقعة؟
هل الثقة بالنفس خاصية موروثة، أم مكتسبة؟ أميل إلى اعتبارها مكتسبة بشكل كبير من البيئة المحيطة قريبة، كانت، أم بعيدة، طالما أن الفرد تصله التغذية الراجعة من الآخرين لأفعاله، وأقواله، وكل ما يصدر عنه، ولعلي أشير إلى أبيات شعرية لبعض الشعراء العرب المتقدمين، حيث يقول عمرو بن كلثوم في معلقته:
إذا بلغ الفطام لنا صبي
تخر له الجبابر ساجدينا
كما يقول أبو الطيب المتنبي، الذي يشيد بنفسه كثيرا:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
ولعل القارئ الكريم يحكم إن كانت الثقة بالنفس فطرية، أم مكتسبة، وكيف أن الثقة بالنفس الزائدة تجني على صاحبها مع علمنا أن الشعراء يقولون ما لا يفعلون.