الصراع الاقتصادي بين أمريكا والصين في البقعة العمياء «2 من 2»
تدرك الصين دون شك أهمية مكافحة تغير المناخ، فإن هدفها المباشر يتمثل في التفوق على الولايات المتحدة باعتبارها الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالـم وترسيخ نفسها كقوة مساوية لها، أما تحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفري وتقليل بصمة أمريكا الجنوبية الكربونية فهو ليس بين أولى أولوياتها.
من عجيب المفارقات أن أحد الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة تميل إلى إهمال أمريكا اللاتينية يتمثل في حقيقة مفادها، أنها كانت هادئة مـسالمة نسبيا منذ القرن الـ19. وضـع مبدأ مونرو، الذي أسس في 1823، كل أمريكا اللاتينية داخل دائرة نفوذ الولايات المتحدة ومـنـع فعليا قوى أجنبية من اكتساب موطئ قدم هناك منذ ذلك الحين. في عموم الأمر، عد تدخل فرنسا في المكسيك في ستينيات القرن الـ19، في عهد نابليون الثالث، آخر محاولة أوروبية كبرى لترسيخ وجود دائم في أمريكا اللاتينية. ثم مـر قرن من الزمن قبل أن يتسبب الاتحاد السوفياتي في تصعيد التوترات بوضع أسلحة نووية في كوبا ودفع العالـم إلى حافة هاوية الحرب النووية.
مع تآكل نفوذ الولايات المتحدة الاقتصادي، أصبحت قدرتها على منع مؤسسات عسكرية أجنبية من إقامة وجود في أمريكا الجنوبية عـرضة للخطر على نحو متزايد. وقد أنشأت الصين بالفعل محطة مراقبة فضائية في باتاجونيا، والآن تضغط على الأرجنتين لحملها على السماح لها ببناء قاعدة بحرية. ولأن الأرجنتين تقترب من العجز عن سداد ديونها، مع ارتفاع التضخم إلى ما يتجاوز 100 في المائة، وصعود حكومة شعبوية إلى السلطة، فقد تنال الصين مـرادها في النهاية. كما أصبحت فنزويلا ـ التي كان اليسار الأمريكي يحابيها ذات يوم ـ معرضة بشدة للنفوذ الصيني "والروسي" بعد عقود من السياسات الاقتصادية الكارثية.
على الرغم من معاناة الأرجنتين وفنزويلا من فترات انكماش اقتصادي هي الأكثر شهرة في أمريكا الجنوبية، فقد عملت جائحة كوفيد- 19 على إبطاء النمو وتسببت في تفاقم التفاوت بين الناس في دول أخرى أيضا. علاوة على ذلك، وكما توحي تعليقات بشأن أوكرانيا، فقد يـسـفـر التحول نحو اليسار على مستوى القارة بالكامل عن سياسات خارجية لا تتفق مع مصالح الولايات المتحدة.
يتعين على إدارة بايدن أن تعمل على تكثيف جهودها في مقاومة نفوذ الصين في أمريكا الجنوبية. من خلال مساعدة دول أمريكا الجنوبية على تحسين أنظمة التعليم، وتعزيز المدخرات للسماح بزيادة الاستثمار العام، وتنفيذ إصلاحات بنيوية معززة للإنتاجية، تستطيع الولايات المتحدة المساهمة في وضع القارة على المسار إلى الرخاء الاقتصادي طويل الأمد. ولدعم تحول أمريكا الجنوبية إلى الطاقة المتجددة، يجب أن يكون الغرب في عموم الأمر على استعداد لتزويد الحكومات المثقلة بالديون والتي تعاني ضائقة مالية بالـمـنـح على نطاق ضخم بدلا من القروض. في ضوء توسع نفوذ الصين عالميا وأهمية أمريكا الجنوبية للتحول الأخضر، لم تـعـد الولايات المتحدة تملك تـرف الاستخفاف بجيرانها الجنوبيين.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2023.