ماركس ونظريته الاقتصادية الاشتراكية

عمود الأسبوع الماضي تعامل مع جان ستيوارت مل كفيلسوف اقتصادي ارتبط اسمه بالحرية الاقتصادية، وبالتالي أصبح من المنظرين للرأسمالية واقتصاد السوق. في هذا العمود نناقش كارل ماركس، كمنظر للشيوعية سياسيا وللاقتصاد الاشتراكي.
استطاع ماركس، أخذ الفكر المادي، وبالتالي الاقتصاد إلى مستوى جديد من التحليل والأهمية، خاصة أنه عاصر ذروة الثورة الصناعية. ولد ماركس في 1818 في ألمانيا لأب محام يهودي ناجح وأم هولندية من عائلة ثرية. بدأ دراسة القانون في جامعة بون، لكنه لم يكمل، إذ مال إلى الفلسفة والأدب ودرسهما في جامعة برلين، حيث درس الفلسفة تحت هيقل، الذي كان له أثر كبير في تطوير أفكاره في التحليل الجدلي والتقدم التاريخي، فأصبح هيقلي التفسير في طرحه حول الاقتصاد الرأسمالي. بدأ حياته كصحافي وناشط سياسي إلى أن أصبح محررا في إحدى أهم الصحف في 1842، وكان ناقدا للحكومة، خاصة في تعاملها مع الحالة المزرية للطبقة العاملة. واجه مضايقة ما اضطره إلى الانتقال إلى باريس في 1844، حيث مارس نشاطا سياسيا، وقابل فريدريك إنجلز، فيلسوف واقتصادي ألماني لاجئ في باريس أيضا. تطورت العلاقة وتشاركا في كتابة الوثيقة الشيوعية في 1848. فيها طرحا نظريتهما بأن التاريخ يتقدم من خلال الصراع بين الطبقات، وأن الطبقة الكادحة ستنقلب على الطبقات المالكة لأدوات الإنتاج، وبهذا ينتهي الحرمان في المجتمع.
أهم أعمال ماركس كان كتابه في الرأسمالية من ثلاثة أجزاء، فيه تحليل مفصل حول آلية عمل النظام الرأسمالي، خاصة العلاقة بين رأس المال والعمالة، محصلته أن جوهر النظام استغلالي ومن طبيعته عدم المساواة والعدالة. تحليليا كانت فكرته في الفائض من القيمة هي قلب تحليله الاقتصادي، التي عرفها بأنها الفرق بين ما يسهم فيه العامل من الإنتاج وما يدفع له من أجره. وبالتالي مصدر هذه القيمة استغلال العمالة. تفصيليا هناك نسبة نمو تزيد حسب استغلال الأيدي العاملة، وبالتالي أرباح الملاك. لكن الأرباح تبدأ بالانخفاض بسبب عدم قدرة العمال على شراء البضائع. كذلك طور فكرة قيمة العمل والقريبة من فكرة الفائض، وإن لم تكن جديدة لأن ريكاردو سبقه، حيث قيمة السلعة تتحدد بقدر قيمة العمل لإنتاجها، وبالتالي لا تحدد القيمة بالسعر لكن بقيمة جهد العمال.
الجانب الشخصي في حياته كان غير عادي، تمتع بشخصية حيوية، وكان محبوبا لأصدقائه ومعارفه، فحياة والديه لم تمتد إليه، فعاش فقيرا في الأغلب معتمدا على دعم صديقه إنجلز، ولذلك عاش فقيرا في لندن لأعوام. تزوج من جني وستفيلن التي يعرفها من أيام الطفولة. أنجبت له ستة أطفال نصفهم توفي في عمر مبكر. بعض الاقتباسات تختصر الأفكار والتوجهات، فمثلا يقول، "الضرورة عمياء حتى تعي، والحرية ضمير الضرورة"، ويقول، "الفلاسفة حاولوا تفسير العالم، لكن الهدف الأساس تغييره". ويقول، "لا يمكن تخطي قوانين الطبيعة لكن ما يتغير هو تلك الظروف التاريخية التي تظهر بها قوانينها". ربما أهمية ماركس جاءت من مصدرين الأول، نظرته المادية الفريدة حين وظفها مع جدلية هيقل لتقديم تفسير لحركة التاريخ. ودوره الفكري السياسي الذي ظهر على يد من حكموا روسيا والصين وغيرهما باسم الشيوعية لاحقا. أنظمة لم تنجح ماديا أو حتى سياسيا، إذا تراجعت في الصين مع إصلاحات دنق شاوبنق في نهاية السبعينيات وفي روسيا من خلال السقوط المدوي في 1991. عيوب التفسير الماركسي أنه ينادي بمثالية لتجاوز طبيعة البشر. تكيف النظام الرأسمالي واستطاع التخلص من كثير من مساوئه ما أدى إلى تحسن جودة الحياة للملايين في الغرب. عاش فقيرا إلى أن توفي في لندن 1883.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي