فرآس رائد الاقتصاد الرياضي
لا يمكن أن نغطي تاريخ علم الاقتصاد دون ذكر دور الفرنسي ليون فرآس- هكذا تنطق بالفرنسية Walras. ولد فرآس في 1834 في نورماندي- شمال فرنسا، من عائلة أكاديمية ومثقفة، فوالده كان أستاذا في الاقتصاد السياسي، وجده مؤرخا، ما أعطاه فرصة مبكرة لمناقشة موضوعات الساعة. بدأ تعليمه الثانوي في باريس بدراسة الرياضيات والفيزياء في 1854، والتحق بكلية التعدين لدراسة الهندسة، لكن شغفه كان في الاقتصاد متأثرا برواد علم الاقتصاد في فرنسا، مثل سي وكورانت، اهتم كثيرا بكتابات البريطانيين، مثل سميث وريكاردو ومل. يقول عنه سشمبتر، إنه أعظم الاقتصاديين، ويقول عنه ملتون فريدمان، "إننا نقدر مارشال، ولكن نسير مع فرآس". تذكر له مساهمتان في الفكر الاقتصادي وكلاهما يعود جزئيا إلى كفاءته المعتبرة في توظيف الرياضيات لإعطاء الأفكار الاقتصادية بدقة ووضوح.
الأولى في المنفعة الحدية، إذ يعد مع جيفونز ومنقر الثلاثة المنظرين الأوائل في التأطير والتحليل الحدي، خاصة المنفعة الحدية، التي لا تزال حجر زاوية في الفكر والتحليل الاقتصادي، وتحظى بجدل مستحق إلى الآن. وتعرف -لمن ليس طالب اقتصاد- بأنها المنفعة المرجوة من آخر وحدة يدفع لها المستهلك. لكن لا بد أن تكون جدلية لأن كأس ماء في الصحراء لعطشان، تختلف عن منفعته لمرتاح في منزله لديه وافر من الماء. لكن الفكرة ضرورية منطقيا لإثبات التوازن في حالة افتراض المنافسة الكاملة.
الفكرة الثانية التي ربما تعود إليه وحده في الأساس فكرة التوازن العام في الاقتصاد. رأى توسيع فكرة الحدية إلى الاقتصاد ككل،
ولذلك سعى إلى تطوير نموذج عام يجمع المنتجين والمستهلكين والأسعار وما بينها في علاقة تفاعلية بين كل الأطراف ذات العلاقة. هناك تعقيدات كثيرة لهذا النموذج الطموح، خاصة أن فرآس كان واعيا بأن الاقتصاد ليس محررا وتنافسيا بما فيه الكفاية، لذلك هناك صعوبات نظرية وعملية في نموذج التوازن العام، ولذلك أيد تدخلات الحكومة، لكن بحذر. هناك علاقة بين الفكرتين من ناحية فكرية، حيث أساس الحدية في البحث عن التوازن، وكذلك من ناحية دور الرياضيات في التأطير والنمذجة.
على الرغم من شهرته الاقتصادية وتأليف ثلاثة كتب اقتصادية إلا أن حياته العملية لم تكون مميزة، رغم دوره في علم الاقتصاد إلا أن عدم حصوله على تأهيل أكاديمي لم يمنحه فرصة التدريس، لذلك عمل في البداية في الصحافة، ومن ثم شركات عدة، منها مشاركة الاقتصادي سي في تأسيس بنك تعاوني، ونشر مجلة تعنى بالاقتصاد السياسي، لكن كليهما فشل بعد عامين. في 1870 حصل على وظيفة لتعليم الاقتصاد في أكاديمية لوزان في سويسرا، واستمر إلى أن تقاعد في 1892 ليأخذ مكانه طالبه بيرتو، الاقتصادي الإيطالي المعروف. اجتماعيا انتهى زواجه الأول بوفاة زوجته 1879، ثم تزوج من فرنسية أخرى ساعدته ماليا، وعاش بعد التقاعد آخر عمره وحيدا.
نقتبس قوله، "إنه بينما أخذ العالم 200 عام تقريبا لعلوم الميكانيكا والفضاء لتصل إلى هذه المرحلة، أخذتنا 100عام فقط للوصول إلى هذه المرحلة منذ سميث في الاقتصاد"، ويقول، "أرى أن الأشياء مفيدة عندما نستخدمها لأي غرض، بحيث تشبع رغبة ما". عاش وحيدا آخر أعوامه في سويسرا إلى أن توفي في 1910.