الهدايا للكراسي
الحد الفاصل بين الهدية والرشوة واضح وصريح وأيضا مرعب لكن ضعف النفس البشرية ربما يدفعها للبحث عن مبررات لتسويغ منفعة فيها شبهات.
تأملت في هذا الجزء الخفي من الرشا حينما طالعت بيان هيئة الرقابة ومكافحة الفساد عن القبض على موظفين اثنين في المحكمة العامة في محافظة جدة بالجرم المشهود أثناء تسلمهما مبلغ ربع مليون ريال من أصل مبلغ نصف مليون ريال، كرشوة من مواطن مقابل فتح جلسات في محكمة الاستئناف ونقض الحكم الصادر بحقه في قضية بينه وبين إحدى الشركات. هذه القضية رشوة صريحة وبالجرم المشهود وبمبالغ نقدية مرقمة حسب المشهد "مقطع الفيديو" الذي عرض مع بيان هيئة الرقابة ومكافحة الفساد.
والهدايا التي تقدم إلى الشخص وهو في منصب مؤثر "صغر أو كبر"، هي في واقع الأمر هدية للكرسي الذي يشغله، قد تكون هدية صغيرة تذكرة سفر، أو أكبر قليلا تذكرة سفر مع ثلاث ليال فندقية، وربما تصل إلى سيارة أو شقة في موقع يسيل له اللعاب، وكلما ازدادت قوة تأثير الكرسي ارتفعت قيمة الهدية.
كيف لنا التفريق بين الهدية والرشوة؟ الحد الفاصل بينهما هو الجلوس في البيت؟ بدليل حديث المصطفى -عليه وآله الصلاة والسلام- ونصه التالي، "استعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا على صدقات بني سليم، يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم وهذا هدية". فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "فهلا جلست في بيت أبيك وأمك، حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا" ثم خطبنا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال، "أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول، هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر" ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه، يقول: "اللهم هل بلغت".
وفي شرح هذا الحديث قال الشيخ محمد بن عثيمين "يحرم على كل موظف أن يقبل الهدية مهما كانت، حتى بعد انتهاء المعاملة، فلا يجوز... والواجب أن يردها".
ويضيف الشيخ، "قد يقول بعض الناس، إن رددتها أخشى أن يكون في نفسه شيء، فنقول، لا تردها بجفاء". نسأل الله العافية.