الجيل الجديد وغياب ثقافة الاستثمار

"الجيل الجديد" الذين أعنيهم في هذا المقال هم حديثو الالتحاق بالوظائف ومن بدأوا الحصول على مصدر دخل ثابت شبابا وشابات، وبدأ يتكون عند بعضهم مبلغا من المال يتجاوز حاجتهم الأساسية ومصاريفهم الرئيسة. وهذه الشريحة من الشباب تزداد كل عام ومن خلال حديثي مع بعضهم ألمس أنهم يواجهون مشكلة استثمار ما يتجمع لديهم من مبالغ في ظل غياب تام لثقافة الاستثمار. والخوف من الحريصين على مصلحتهم أن تمتد أيديهم إلى الصرف من هذا الادخار في السفر والمطاعم والمقاهي، طبعا لا نريد أن يحرم الشباب نفسه من متع الحياة المباحة ونتطلع أن تكون نظرته إلى المستقبل أعمق، حيث يدخر ويستثمر حتى لو كان الرصيد متواضعا. لكن المشكلة في نظري تتمحور حول غياب ثقافة الاستثمار، ولقد حاولت أن أحدد الجهة التي يمكن أن تنشر ثقافة الاستثمار بين الشباب، وما وسائل نشر هذه الثقافة مع برنامج متكامل للتوعية بأهمية ذلك، وأعترف أنني لم أجد جوابا أكيدا على ذلك وسأعرض ما توصلت إليه كي نتحقق من قناعة البعض أن الجهود الموجودة غير كافية، أو لا بد من زيادتها وتحديد الجهة المسؤولة عن هذا الموضوع المهم.
وبحسب استقراء سريع يبدو لي أن مؤسسة النقد التي تحول مسماها إلى "البنك المركزي" بدأت هذه الجهود من خلال التأكيد أن الادخار ضرورة لا خيار، وأنه بداية المشوار لتحقيق الاستقلال المالي والثروة. وسعت المؤسسة في وقت مبكر لترسيخ أن الادخار والتخطيط السليم ضمان لمستقبل الفرد ومستقبل عائلته. وطالبت بتحديد الأولويات والمصاريف الشهرية لأنها أولى خطوات تحقيق الأهداف المالية. وهذا الكلام النظري جميل لكن كيف يتم التنفيذ لمواجهة ما ثبت من خلال استطلاع لجريدة "الاقتصادية" بأن 67 في المائة من السعوديين لا يدخرون شيئا من رواتبهم التي يتقاضونها شهريا. وفي تصريح لوكيل محافظ البنك المركزي للتطوير التقني 2021 أكد أن "ساما" تعمل مع الجهات المعنية على تحديث الاستراتيجية الوطنية للتثقيف والادخار التي سترى النور قريبا، التي تشمل عدة مبادرات لتعزيز الثقافة المالية السعودية.
أما هيئة السوق المالية فقد بدأت ببرنامج المستثمر الذكي الذي يستهدف الأطفال في مقتبل العمر، ثم أسست في 2020 جمعية حماية المستثمرين الأفراد في السوق المالية، في عدة جوانب أهمها الجانب التوعوي والقانوني وهذا شيء طيب لكن المشكلة هي حصر هذه النشاطات في نطاق السوق المالية. وماذا عن مجالات الاستثمار الأخرى؟ وآخر هذه الجهات الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تشجع على دخول عالم ريادة الأعمال.
أخيرا، نريد نشاطا واضحا من الجهات الحكومية والجمعيات وغيرها وتحديدا في الجانب الإعلامي، لنشر التوعية وتقديم النصح بدورات حضورية أو عن بعد للراغبين من الشباب والشابات، حتى لا تتكرر القصص التي نسمعها من أن بعض المستثمرين في تأسيس مشاريع غير مدروسة، مثل المقاهي أو المطاعم أو حتى التطبيقات الإلكترونية قليلة العمق والتحضير، لا يستمر استثمارهم فيها أكثر من عام حيث يتعرض للخسارة لاختيارهم الخاطئ لمجال الاستثمار المناسب لإمكاناتهم العملية والمادية.. وأعني بالإمكانات العملية عدم إعطاء الوقت الكافي لمتابعة العمل أو الملل من البدايات الصعبة أو ردات الفعل من انحسار الإقبال بعد فورة الافتتاح، أو ارتباط المستثمرين بمهام وظيفية تستغرق أغلب وقتهم وجهدهم اليومي.
وتبقى الكلمة الأخيرة للشباب للتأني وعدم الإقدام على أي استثمار دون معرفة جميع الجوانب، وهذا ما نعني بثقافة الاستثمار التي يظن البعض أنها كلمة تقال هكذا، لكنها دراسة تدرس وهي مفتاح النجاح التي قامت عليها كيانات مالية كبيرة في جميع أنحاء العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي