صناعة السينما السعودية .. النمو والتطلعات
حققت سوق السينما في السعودية قفزات نوعية خلال الأعوام القليلة الماضية، رغم حداثة هذا القطاع، سواء من ناحية التسويق أو الإنتاج السينمائي عموما. ولا شك أن هناك تحديات تواجه هذا القطاع الذي يعد محورا رئيسا ضمن رؤية المملكة 2030، التي يجري تنفيذها لتكون منطلقا إلى آفاق بعيدة في كل القطاعات الإنتاجية والصناعية والتعليمية والترفيهية والفنية والتجارية، وغير ذلك من العناصر التي تضمن البناء المثالي النهائي المستهدف من قبل القيادة العليا في البلاد، فالرؤية وضعت الفنون وروابطها، ضمن الأدوات الرئيسة للتنمية الشاملة، كما أنها تدفع دائما إلى توفير التسهيلات اللازمة في هذا المضمار، خصوصا في الفترة التي يمكن وصفها بمرحلة التأسيس. وشهدت سوق السينما السعودية تطورا كبيرا أخيرا، إذ صارت محط أنظار كبار المستثمرين في قطاعي الترفيه والسينما، الذين يضعون استراتيجيات خاصة لجمهور تجاوز 13 مليون شخص.
وتضم السعودية 57 مجمعا سينمائيا في 16 مدينة، بأكثر من 500 شاشة.
وتشير التوقعات إلى أن السوق السعودية ستضخ أعمالا بقيمة مليار دولار في غضون أعوام، وسط التطور المستمر الحاصل حاليا، إذ تبنى دور سينما في مدن يقل عدد سكانها عن مليون نسمة. وفي الأعوام الخمسة الماضية، شهدت سوق السينما في المملكة نقلات لافتة حقا، إذ تستهدف هذه السوق عائدات من شبابيك التذاكر تصل إلى أكثر من مليار دولار بحلول 2030. وفي العام الماضي نمت هذه الإيرادات بنسبة 9.47 في المائة، محققة 240 مليون دولار، بينما كانت هذه الإيرادات عند 232 مليون دولار في 2021.
ووفق البيانات الرسمية، زاد عدد تذاكر السينما المبيعة إلى أكثر من 14 مليون تذكرة في العام الماضي، ومن المتوقع أن تقفز هذه الأرقام في نهاية العام الحالي إلى مستويات مرتفعة أخرى جديدة، ما يعزز المسار الذي وضعته القيادة لهذ القطاع، في الوقت الذي توفر فيه كل ما يدعم مشاريع الإنتاج السينمائي، وتطوير هذا الإنتاج بما يليق بإرادة البلاد حقا في مختلف جوانب صناعة لا تتوقف عند حدود معينة.
يمكن للمملكة أن توفر مكانة لنفسها على صعيد صناعة السينما بحلول 2030، وأن تكون ضمن قائمة الدول الـ20 المتقدمة في هذا المجال. فعلى الصعيد العالمي بلغت عائدات هذه الصناعة في العام الماضي 77 مليار دولار. وتشهد هذه الصناعة تقدما كبيرا على المستوى العالمي، رغم أنها مرت كغيرها من الصناعات بفترة عصيبة خلال جائحة كورونا. وفي خضم هذه الوتيرة من النمو، بإمكان صناعة السينما السعودية أن تحقق أهدافها في فترة ليست طويلة، خصوصا في ظل الإمكانات المتاحة، فضلا عن تمتع المملكة بوجود قدرات ومواهب واسعة النطاق في هذا الحقل الإبداعي. فالمسألة لا ترتبط فقط بإنتاج الأفلام، بل بالأدوات الإبداعية اللازمة، وفي مقدمتها النصوص المطلوبة في عالم يتسع يوما بعد يوم.
وتضع رؤية المملكة 2030 في نطاق الإنتاج السينمائي المأمول، تأهيل المواهب السعودية على رأس أولوياته، فهذه بحد ذاتها تعد ثروة في قطاع عالمي مهم، وتعد هؤلاء أنهم المحرك الرئيس للقطاع. ومن هنا، يمكن ملاحظة حراك وزارة الثقافة على صعيد برنامج مهم للغاية يتعلق برعاية المواهب، بالتعاون مع أهم الجهات العالمية في هذا المجال. وهذا يعني أن صناعة السينما تشهد في الواقع دعما تلو الآخر للوصول إلى الأهداف المرجوة. فتطوير المهارات المحلية، ليس فقط على صعيد الهواة بل المحترفين أيضا، يعني أن هذه الصناعة ستشهد قفزات نوعية في المستقبل القريب، ولا سيما أن عمليات التطوير هذه تقوم على أسس عالمية عالية الجودة، والسعودية تمتلك فعلا هذه الثروات البشرية في المجالات كلها، بما في ذلك الإنتاج الفني عموما.
بالطبع الأمور ليست سهلة، وهذا أمر طبيعي على صعيد بناء قطاع واعد من الصفر تقريبا. ولذلك فإن وزارة الثقافة تسعى بكل ما تملك من أدوات إلى التغلب على تحديات تظهر هنا وهناك، بل إن لديها مخططات لتحويل هذه التحديات إلى فرص لاستثمارها وتحويلها إلى تجارب ناجحة. إنها عملية متكاملة ضمن الخطط الموضوعة، التي لم تترك شيئا من عوامل سلبية قد تظهر في هذا القطاع أو ذاك.