التقنيات الابتكارية الإنسانية «1 من 2»

نعيش اليوم في عصر التطور والتغيير الابتكاري التقني غير المسبوق، والذي يشار إليه في كثير من الأحيان باسم "الثورة الصناعية الرابعة". هذه التطورات الابتكارية الحديثة في شتى العلوم والتقنية لها طبيعة فريدة خاصة، بدأنا نشاهد آثارها في كثير من جوانب حياتنا اليومية، الاجتماعية والدفاعية والاقتصادية والطبية والزراعية والنقل والمواصلات وغيرها عديد، ولا شك أن هذه الابتكارات لها كثير من الإيجابيات التي تعود بالنفع والفائدة على البشرية إذا كان هدفها إنسانيا، ويمكن لها أن تسرع في تحقيق خطط التنمية المستدامة التي تسعى لها دول عديدة بمختلف مستوياتها. وفي الطرف الآخر لها أيضا بعض المخاطر السلبية تتطلب الحيطة والحذر والتأني والتعاون بتخطيط استراتيجي محكم للتخفيف من تلك السلبيات، أو حتى بوضع الحلول الاستباقية لتلافي حدوثها. في هذا المقال، سأحاول بشكل مختصر توضيح الجانب الإيجابي لتلك الابتكارات التقنية من خلال طرح بعض الأمثلة لذلك، وسأخصص بعض المجالات التي أرى أنها ذات أهمية مشتركة لنا جميعا.
هناك عديد من الابتكارات التكنولوجية المتقدمة التي تم إنشاؤها لمنفعة البشرية، وأسهمت في خدمتها، فالتقنيات الابتكارية الإنسانية أعني بها هي تلك التقنيات التي يتم تطويرها لتحقيق تقدم وفائدة في مجالات مختلفة وذلك لتلبية احتياجات البشر، مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخداماتها في مجالات متنوعة، مثل: الروبوتات الذكية، والتحليل الضخم للبيانات، وتحسين الأنظمة الأوتوماتيكية وتطويرها، والتقنيات الافتراضية والمعززة التي تعد في وقتنا الحاضر واحدة من أهم التطورات في مجال التفاعل البشري مع البيئة المحيطة، حيث تسمح هذه التقنيات بإيجاد بيئات افتراضية تمكن مستخدميها من التفاعل معها بطريقة واقعية، سواء كان ذلك في التدريب أو عديد من التطبيقات الأخرى. ومن الأمثلة الحديثة أيضا تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد، وهي تكنولوجيا تتيح إنشاء أجسام ثلاثية الأبعاد بشكل مباشر عن طريق تراكم طبقات رقيقة من المواد، يمكن استخدامها في مجالات متنوعة، مثل: التصميم والتصنيع والطب والأعمال المعمارية وغيرها. وأيضا تقنيات السيارات ذاتية القيادة التي تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي وأنظمة الاستشعار المختلفة وأنظمة التحكم لتمكين السيارات من التحرك والقيادة دون أي تدخل بشري، ما قد يسهم في زيادة الأمان المروري وتحسين كفاءة النقل. ومن الأمثلة أيضا تقنيات الروبوتات وأتمتتها، حيث تشمل هذه التقنيات تصميم وتطوير الروبوتات والأجهزة الميكانيكية التي يمكنها تنفيذ المهام بشكل مستقل أو مساعدة البشر في عديد من المجالات مثل التصنيع والطب والزراعة وغيرها، سبق أن تحدثت عنها في مقالات سابقة.
إن جميع ما تم ذكره، هو مجرد أمثلة فقط، ولا يمكن استكمال القائمة لجميع التقنيات الابتكارية الإنسانية الموجودة بالفعل أو حتى تلك التي ما زالت تحت البحث والتطوير، فمجال التكنولوجيا يتطور بشكل سريع ومستمر، حيث يستمر العلماء الباحثون والمهندسون في أبحاثهم لابتكار وتطوير عديد من هذه التقنيات لتلبية احتياجات المجتمع بجميع أطيافه، ولعلنا نتفق أن من أهم هذه الابتكارات التقنية، وفي وجه الخصوص، تلك الموجهة في مجال الطب، أي تلك التقنيات الابتكارية الطبية التي تشمل تطوير الأجهزة الطبية، كتلك التي تستخدم الروبوتات في الأعمال الجراحية، وتقنيات الطب الحيوي، وتصوير الأشعة وتحليل البيانات الطبية بشكل أكثر دقة وفاعلية، والتي تهدف إلى تحسين عديد من المشكلات الصحية، وللتوضيح أكثر، الحلول الابتكارية التقنية لمشكلات البصر، فبعد أبحاث ودراسة لأعوام عديدة قام بها عديد من مراكز الأبحاث، مثل مركز الأبحاث في معهد ماساشوستس الأمريكي، تم التوصل أخيرا إلى ابتكار القرنية الاصطناعية التي يمكن أن تساعد الأشخاص الذين يعانون فقدان البصر وتمكنهم من استعادة بعض قدرتهم على الرؤية، والقرنية هي الغشاء الشفاف الذي يغطي الجزء الأمامي من العين، وهي المسؤولة عن توجيه الضوء إلى الشبكية التي تقوم بتحويل الضوء إلى إشارات عصبية ترسل إلى الدماغ للتفسير، فعندما تتضرر القرنية أو تفقد شفافيتها، يصبح من الصعب على الشخص رؤية العالم من حوله بوضوح، لذا تم تطوير القرنية الاصطناعية بحيث تتكون من مادة اصطناعية تم تصميمها لتكون متوافقة مع العين وتسمح بمرور الضوء من خلالها، وتتم زراعتها في العين بوساطة عملية جراحية، بحيث تحل محل القرنية التالفة أو المرضية. هذه النوعية من الابتكارات هي التي أقصد بها التقنيات الابتكارية الإنسانية ذات الأبعاد والأهداف الإيجابية.
في 2015، قررت الأمم المتحدة بجميع أعضائها تبني 17 هدفا لتحقيق نمو مستقبلي أفضل وأكثر استدامة لدول العالم، حيث شملت هذه الأهداف التصدي والمواجهة لجميع التحديات الإنسانية المتعلقة بالفقر والمناخ وتدهور البيئة والازدهار والسلام والطب وغيرها، ووضعت لذلك خطة زمنية لتنفيذها وتحقيق كل هدف من أهدافها بحلول 2030، وذكرت في تقاريرها أن التقنيات الابتكارية الإنسانية تلعب دورا حاسما وأساسيا في تحقيق تلك الأهداف. وأرى أن تكثيف دعم وتوجيه الأبحاث والباحثين والمبدعين في مختلف مستويات التقنيات الابتكارية بما يخدم البشرية والجوانب الإنسانية، سيعود بالنفع والتنمية ورفع مستوى جودة الحياة بشكل عام، وسيسهم في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار، ليس محليا فقط وإنما على مستوى العالم بأسره... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي