صناعة الرقائق الإلكترونية .. منافسة حادة
صناعة الرقائق الإلكترونية، أو أشباه الموصلات على وجه العموم، ليست صناعة استهلاكية في حد ذاتها، بل إنها صناعة وسيطة، تماما كالمواد الخام من معادن وغيرها، لذلك فهي مرتبطة بمئات الصناعات، من الألعاب البسيطة، إلى الطب، إلى علوم الفضاء والطيران والسيارات والكمبيوتر والهاتف المحمول ومعظم الأجهزة التي نستخدمها في حياتنا اليومية.
تهتم الدول بصناعة أشباه الموصلات ليس فقط من منظور تجاري وأهمية اقتصادية، بل إن صناعة أشباه الموصلات باتت تعد جزءا مهما من الأمن القومي للدول الكبرى، وهي بلا شك من وجهة نظر الشركات تعد سوقا تجارية ضخمة تحظى بمعدلات نمو سريعة، حيث بلغ حجم إيرادات سوق أشباه الموصلات العام الماضي 622 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى تريليون و884 مليار دولار بحلول 2032.
ما الذي يميز رقائق أشباه الموصلات عن بعضها بعضا ؟
التحسن المستمر في أي نشاط يتطلب مواصلة البحث والتطوير وتحسين عمليات الإنتاج، وهذه القاعدة ثابتة وصالحة لأي مجال، ولا سيما في صناعة التكنولوجيا، فمثلا لتعزيز قدرة الكمبيوتر على أداء العمليات كان لا بد من تعزيز إمكاناته، فتحول من جهاز يعتمد على الأنابيب المفرغة في بداية السبعينيات إلى جهاز يستخدم رقائق ومعالجات وشرائح ذاكرة وغيرها من منتجات أشباه الموصلات.
أشباه الموصلات تعتمد على مواد تتميز بقدرتها على التوصيل الكهربائي المحدود، فهي ليست كاملة التوصيل، كما في المعادن، ولا عديمة التوصيل كالخشب والبلاستيك، وهي تتكون من عدد من الترانزستورات، التي كلما زاد عددها في المساحة الواحدة ارتفع مع ذلك أداء الأجهزة. مضاعفة عدد الترانزستورات بات أمرا ضروريا لرفع الأداء وتطوير الرقائق، فأصبح طول الترانزستور بضع "مايكرو مترات"، ما يعادل جزءا من ألف جزء من السنتيمتر، إلا أن الشركات استطاعت خلال الـ 50 عاما الماضية تصغير حجم الترانزستور بأكثر من 3300 مرة ليصبح بحجم ثلاثة نانومترات أي ما يعادل ثلاثة أجزاء من مليار جزء من المتر، ولم يكتف المطورون بذلك الحد بل بدأوا منذ عشرة أعوام في تطبيق تقنية البناء ثلاثي الأبعاد للشرائح، ما تعرف بتقنية V-NAND كبديل للبناء ثنائي الأبعاد. المكاسب الناتجة عن هذه التقنية شبيهة بالبنايات التي تعتمد على البناء الرأسي للحصول على قدر أكبر من المساحة السكنية.
إضافة إلى البناء الرأسي، تتميز الرقائق عن بعضها بعضا في مدى تحملها لدرجات الحرارة بحيث يمكن استخدام الشرائح في ظروف بيئية متنوعة، فمثلا في بعض التطبيقات العسكرية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي هناك حاجة لأن يعمل الترانزستور في درجات حرارة بين 55 تحت الصفر إلى 125 درجة مئوية، بعكس متطلبات الأجهزة الإلكترونية المنزلية التي لا تحتاج إلى مثل هذه القدرات. عوامل أخرى تميز الرقائق هي استهلاكها للطاقة وسرعة أدائها ومقاومتها للتآكل والصدأ، فلا فائدة هناك من مضاعفة أعداد الترانزستور وفي ذات الوقت زيادة استهلاك الطاقة لأكثر من الضعف، وبالتالي تباطؤ سرعة الرقاقة!
شركات تتنافس في مجال معالجات الكمبيوتر
العوامل السابقة هي التي تحدد مدى قدرة قطعة المعالج على معالجة البيانات، وقدرة شرائح الذاكرة على استيعاب بيانات أكبر، خاصة مع التطور التقني والمستقبل القريب المرتقب للذكاء الاصطناعي والتخزين "السحابي" والجيل الخامس وغيرها من التطبيقات، التي تقدر سوقها بتريليون دولار بحلول 2030، وهي التطبيقات التي تحتاج إلى كم هائل من معالجة البيانات وتخزينها. المقدرة على تطوير هذه القطع هو الذي دفع بعديد من الشركات مثل AMD إلى القمة، ولا سيما بعد إعلانها الأخير عن معالج الرسوميات الجرافيكس MI300X بذاكرة تخزين 192 جيجا بايت، حيث يمتلك هذا المعالج أكبر عدد من الترانزستور بإجمالي 153 مليار ترانزستور، ما يجعلها تتجاوز إمكانات شركة Nvidia التي لديها معالج إتش 100 بـ 80 مليار ترانزستور.
تفوق AMD يأتي على الرغم من أن شريحة Nvidia تعمل بتقنية أربعة نانومترات، مقارنة بشريحة AMD التي تعمل بتقنية خمسة نانومترات، مع الأخذ في الحسبان أنه على مستوى الذاكرة اقتنصت شركة ميكرون أعلى عدد من الترانزستورات للذاكرة من شركة سامسونج. لذا فمن المفترض أن تتمتع رقاقة الذاكرة الخاصة بها بمساحة 2 تيرا بايت، وبعدد 5.3 تريليون ترانزستور، لدى أيضا عديد من الشركات مثل IBM وأبل وهواوي وأمازون وكوالكم، معالجات تعمل بتقنيات من خمسة إلى سبعة نانومترات، في حين أن الشركة العريقة إنتل تأخرت في الدخول لتصنيع هذه النوعية من الشرائح.
شركة إنتل تعاني حدة المنافسة وتقادم تقنيتها، حيث نجد أن وحدة شرائح Sapphire Rapids الرباعية التي أنتجتها إنتل حديثا تعمل بتقنية عشرة نانومترات، وتأخرت في إنتاجها لمدة سبعة أعوام، وهذا التأخر بالإضافة إلى الفشل في دخول سوق رقائق الهاتف المحمول، ما دفع بشركة أبل إلى الإعلان عن التوقف عن استخدام معالجات إنتل في 2020. نتيجة إلى ما تتعرض له إنتل من قضايا انتهاك براءات اختراع وتراجع مبيعات الكمبيوتر، التي تعتمد عليها الشركة بشكل كبير نتيجة التراجع الاقتصادي العالمي، تراجعت القيمة السوقية للشركة في نهاية المطاف من المستوى التاريخي الذي وصلت إليه في 2019 بقيمة 257 مليار دولار إلى 146 مليار دولار في العام الحالي.
بالمقابل ارتفعت قيمة شركة AMD المنافسة من 2 مليار إلى 186 مليار دولار خلال ثمانية أعوام فقط، في حين دخلت Nvidia نادي الشركات التريليونية هذا العام. نجاح كل من Nvidia وAMD تحقق على الرغم من كونهما تعتمدان على التصنيع لدى الغير، وتحديدا لدى شركة TSMC التايوانية، في حين أن شركة إنتل لا تزال الشركة الوحيدة التي تصنع رقائقها الخاصة، ولكن من الواضح أن التصنيع لدى الغير يمنح عددا من الميزات التنافسية منها انخفاض التكلفة والقدرة على تلبية الطلبات بسرعة، إلى جانب ميزة توفير الاستثمارات والجهود في سبيل البحوث والتطوير بدلا من بناء المصانع والتصنيع، وثبتت صحة ذلك في 2018 حين واجهت شركة إنتل صعوبات في تطوير رقائق عشرة نانومترات في حين استطاعت منافستها AMD الضغط على الشركة التايوانية لتلبية جميع متطلباتها.
استراتيجية عملاقة المعالجات "إنتل" لمواجهة المنافسة
القيمة السوقية لشركة إنتل تتراجع على الرغم من تفوقها في حجم المبيعات، مقارنة بالشركات المنافسة، فإيرادات إنتل لآخر 12 شهرا أعلى بمقدار 1.25 من حجم إيرادات AMD وNvidia مجتمعين، والفارق موجود حتى بالنظر إلى إيرادات الربع الأول من 2023، حيث بلغت إيرادات إنتل 11.7 مليار دولار، مقابل 7.2 مليار دولار لـ Nvidia و5.4 مليار دولار لـ AMD. سبب تراجع قيمة إنتل يعود إلى النمو الكبير المتوقع لمعالجات الشركتين المنافستين، بينما لا تزال إنتل تعتمد بشكل كبير في صناعة شرائحها على المعالجات التقليدية، التي لا يزال يحتاج إليها كثير من المستهلكين.
تحاول إنتل التفوق في هذا السباق من خلال استراتيجية مكونة من ثلاثة محاور، أولها التعاون مع المصانع العالمية بهدف تحقيق قيمة مضافة، كما فعل الآخرون، والمحور الثاني يتم من خلال بناء مزيد من الاستثمارات الخاصة بها لصناعة الرقائق في الولايات المتحدة وأوروبا، وبالتالي القدرة على تلبية طلباتها في أوقات أزمات سلاسل الإمداد والتوريد، أو في حال وقوع حروب تجارية أو عسكرية أو نتيجة أي تغيرات على مستوى الأوضاع العالمية الجيوسياسية، وذلك من شأنه أن يمنحها ميزة تنافسية جبارة نتيجة وجود الخبرة الكافية لديها في التصنيع الذاتي. أما المحور الثالث فهو إتاحة هذه المصانع للتصنيع للغير، وبالتالي تعظيم الاستفادة منها كنشاط منفصل، إضافة إلى إتاحة بديل تنافسي لشركات المسابك مثل سامسونج والشركة التايوانية "تي إس إم".
الابتكار في أمريكا .. والمسابك في الدول الآسيوية
هذه الاستراتيجية التي تقوم إنتل بتنفيذها ستكون أكثر فاعلية في المستقبل، نظرا للتوجه الأمريكي خلال الأعوام المقبلة بهدف وقف الاعتماد التكنولوجي على الصين بوجه خاص وعلى آسيا بوجه عام، ولفهم ذلك لا بد من فهم كيفية عمل سوق الرقائق.
تمتلك دول مثل تايوان والصين وفيتنام وكوريا الجنوبية والهند وآخرون مسابك عملاقة تم بناؤها منذ عقود من الزمن لصناعة رقائق أشباه الموصلات، نظرا لتوافر ميزة عمالة الأجر الرخيص لدى هذه الدول، في حين تسيطر شركات في الولايات المتحدة ودول أوروبية على مراحل التصميم والبحث والتطوير والقدرة على تصنيع المعدات اللازمة لصنع هذه الرقائق. أكبر شركات التصنيع لهذه المعدات هي ASML التي تتخذ من هولندا مقرا لها، وNikon في اليابان وLam Research وApplied Materials في الولايات المتحدة، ودون هذه الشركات وأساليبها المبتكرة التي تقوم عليها صناعة الرقائق لن تستطيع دول مثل الصين التطوير، خاصة أنها تأخرت كثيرا عن هذه الخطوة، وهي الخطوة التي بدأت الولايات المتحدة في استغلالها بقوانين جديدة تحظر بيع هذه المعدات المتطورة للشركات الصينية دون ترخيص.
سلبيات حظر الولايات المتحدة لتكنولوجيا الرقائق
عدد من السلبيات لاستراتيجية الولايات المتحدة، فبمقابل التأخر الذي ستقع فيه الصين نتيجة حظر الملكية الفكرية، ستقوم من جانبها بعمل حظر على إمدادات أشباه الموصلات المكتملة الصنع أو الإلكترونيات الاستهلاكية، التي تستوردها الولايات المتحدة، أو على استخدامات البنية التحتية لديها كما فعلت مع شركة رقائق الذاكرة الأمريكية "ميكرون".
من جهة أخرى، سيؤدي منع الصين من التقنيات الجديدة تأخر تكنولوجيا الرقائق لديها، ما يعني عدم الاستفادة منها في المنتجات الأمريكية أو أي منتجات أخرى، وبالتالي ستفقد الولايات المتحدة ميزة الرقائق الرخيصة التي كانت تحصل عليها من الصين التي تصنع نحو 20 في المائة من السوق العالمية لأشباه الموصلات المكتملة الصنع، هذا عدا المنتجات الاستهلاكية المدرج بداخلها هذه الرقائق، ما يجعلها تمتلك نحو 60 في المائة من الطلب العالمي عليها، خاصة أن عدد الرقائق المطلوب والذي يدخل في نحو 169 صناعة مختلفة أصبح كبيرا للغاية، ونقص الإمداد فيه يتسبب في أزمات ووقف صناعات بأكملها وارتفاع في أسعار السلع. وبالفعل رأينا تأثيرات تلك الأزمة في سلاسل التوريد التي حدثت نتيجة لكورونا، وأدت لتعطيل صناعة السيارات حينها، وكانت الشركات التي لديها مخزون من الرقائق مثل تويوتا هي الأكثر قدرة على الإنتاج، حيث تكبدت صناعة السيارات تكاليف بنحو 110 مليارات دولار وخسارة إنتاج 3.9 مليون سيارة.
الولايات المتحدة تصدر قانون CHIPS وإنتل أكبر المستفيدين
في المقابل، لا تمتلك الولايات المتحدة سوى 12 في المائة من صناعة أشباه الموصلات رغم وجود التكنولوجيا والتطوير وجميع القدرات لديها! لذا أصدرت الولايات المتحدة قانون CHIPS بهدف دعم شركات أشباه الموصلات بـ 280 مليار دولار من بينها 52 مليار دولار كإعفاءات ضريبية. هذه الحزم ستدفع شركات مثل إنتل للاستفادة القصوى، كما أشار إلى ذلك التقرير الذي نشرته الشركة لحث الحكومة الأمريكية على تنفيذ قانون CHIPS، حيث جاء في التقرير أن أشباه الموصلات تدخل في كل صناعة، ولا سيما الأسلحة، وأن الصين تدعم الصناعة بـ 150 مليار دولار للتفوق خلال العقد المقبل ونتيجة لهذه الحوافز الآسيوية انخفضت حصة الولايات المتحدة كثيرا، ولا سيما أن ربع مليون موظف أمريكي يعملون في هذه الصناعة.
رغم أنه من المتوقع أن تستفيد إنتل بنحو 15 مليار دولار خلال خمسة أعوام كإعانات حكومية نتيجة لهذا القانون، إلا أن ذلك ليس السبب الرئيس لتأييد القانون والحث عليه، ولا سيما أنه مقابل التمتع بالإعانات ستفقد إنتل صادراتها للسوق الصينية، فالسبب الرئيس هو أن الحظر الصيني، سواء الجزئي أو الكلي، سيمنع منافسيها من التصنيع الرخيص أو توفير الطلب على رقائقها، فشركة مثل Nvidia تعتمد اعتمادا شبه كلي على الصين في صناعة رقائقها، مع الأخذ في الحسبان أن Nvidia هي التي دفعت الصين للتقدم السريع في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لأعوام طويلة، لذا سيتأثر الطرفان، سواء Nvidia لفقدانها المصنع أو الصين لفقدان شركاتها مثل "علي بابا" و"هايك فيجين" وغيرهم الرقائق الحديثة التي تتطلبها خوادمهم لمعالجة حجم البيانات الضخمة، في حين ستتأثر شركات مثل "يانجنسي ميموري" وSMIC بشكل مباشر لتخصصهما في إنتاج الرقائق فعليا.
الولايات المتحدة تدفع حلفاءها لتضييق الخناق على الصين
لم تكتف الولايات المتحدة بالحظر أو ضخ استثمارات وإعفاءات ضريبية، بل في يناير الماضي وصلت لاتفاق مع اليابان وهولندا لمنع تصدير آلات الرقائق الإلكترونية الحديثة وابتكاراتها إلى الصين، وجميع هذه الخطوات قد تكون مجدية من حيث منع الصين الهيمنة على صناعة الرقائق في المستقبل القريب مع الأخذ في الحسبان أن حجم الصين الاقتصادي والتجاري لن يسمح باستمرار تخلفها التكنولوجي في هذه الصناعة. وعلى الرغم من ذلك، فإن بناء مصانع واستثمارات جديدة للتعويض عن الجانب الصيني لن يتم بين ليلة وضحاها، فالأمر يحتاج لأعوام لبناء وتجهيز هذه المصانع. خلال هذه الفترة ستعاني الشركات التي تحتاج إلى هذه الرقائق في منتجاتها، ولا سيما شركات الهواتف المحمولة التي تمثل الرقائق ربع تكلفة منتجاتها. حتى مع ارتفاع هذه التكلفة سيظل هناك حاجة للإمدادات الآسيوية، وهو ما استفادت منه فعليا دول أخرى مثل الهند وفيتنام وتايلاند وكمبوديا وتايوان وكوريا الجنوبية. على سبيل المثال ارتفعت حصة واردات الولايات المتحدة من رقائق الهند بنحو 34 ضعف ما كانت عليه، وارتفعت صادرات أشباه الموصلات من جميع الدول التي سبق ذكرها للولايات المتحدة أكثر من 50 في المائة. لجميع الأسباب آنفة الذكر ربما ستكون الساحة أكثر تهيئا لشركة مثل إنتل عن أي وقت مضى، وذلك في حال فشلت الصين في تعويض الابتكارات للرقائق والمعدات التي فقدتها بالحظر، ولكن بتغير أي من المعطيات السابقة، ستدخل إنتل حلبة منافسة الابتكار مع شركات أشباه الموصلات، وربما تنهار.
براعة شركة ASML الهولندية
تتميز شركة ASML الهولندية بقدرتها على تصنيع المعدات والآلات، التي تستخدمها شركات مثل الشركة التايوانية TSMC، هذه المعدات ليست كالمعدات العادية التي يمكن صناعتها بسهولة، وذلك لاعتمادها على تكنولوجيا الحفر بالضوء فوق البنفسجي على رقائق السيلكون فيما تعرف بـ الليثوغرافيا. هذا الحفر يصل إلى جزء من ألف جزء من شعرة الإنسان، في سلسلة تتشابك مع بعضها بعضا، ولتخيل ذلك، فإن أيا من شريحة الذاكرة أو "الفلاشة" أو المعالج الذي لديك تحمل بداخلها مليارات الترانزستورات تم حفرها بهذه التقنيات الحديثة، هذه التقنيات يتم تحديثها على مدار الوقت للحفر لمسافات أصغر، لذلك تخضع الشركة الهولندية لأكثر الإجراءات الأمنية صرامة في العالم.
بالعودة إلى تاريخ الشركة منذ نحو 40 عاما، عانت الشركة في بداية نشأتها لكن تعاونها مع شركة الإلكترونيات الهولندية "فيليبس" أبقاها على قيد الحياة، ومع طرحها للاكتتاب في 1995 قررت ASML المراهنة على طباعة الليثوغرافيا، حيث ظهرت التقنية التي وصلت إليها أول مرة في 2006. ورغم ذلك لم يبدأ تسليم آلاتها تجاريا إلا في 2018، هذا الطريق الطويل والمحاولات المتكررة وتحمل أعوام عديدة من البحث والتطوير دفع بها لأن تكون الشركة الرائدة ولتستطيع إنتاج هذا النوع من الآلات عالميا، حتى إن قيمتها السوقية التي تتخطى 275 مليار دولار، يقول الخبراء عنها أنها أقل بكثير مما تستحق نظرا لدورها المحوري في الصناعة ككل.
السعودية تقرر الدخول إلى مجال الرقائق الإلكترونية
في ظل هذا السباق الدولي الكبير، والأهمية المتزايدة لاستراتيجيات أشباه الموصلات، والأهمية التجارية المتمثلة في حجم السوق الضخم، ولا سيما أن الشرق الأوسط، وفقا لدراسة شركة "ستراتيجي آند ميديل إيست"، لديه فرصة اقتصادية في منتجات التصنيع عالية التقنية بقيمة 125 مليار دولار، خاصة منتجات أشباه الموصلات، والروبوتات، وأجهزة الاستشعار، حيث يمكن أن توفر هذه القطاعات الثلاثة بمفردها عائدات بقيمة 25 مليار دولار بحلول 2025.
لذا كان على المملكة أن تفكر في تأهيل الكوادر البشرية وتسخير القدرات المادية لتوطين هذه الصناعة ومشتقاتها داخل المملكة، وذلك من خلال البرنامج السعودي الذي أطلقته مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية العام الماضي، وهو أول برنامج من نوعه في الشرق الأوسط يهدف إلى إجراء الأبحاث العلمية في صناعة أشباه الموصلات ومن ثم العمل على توسيع محفظة المملكة في تقنيات التصنيع المتقدمة من مصانع أشباه الموصلات العالمية، في حين نجح البرنامج في تصنيع ثلاث رقائق إلكترونية من ثلاث جامعات وتدريب أكثر من 120 مهندسا وطالبا سعوديا على تقنيات أشباه الموصلات.
من جهة أخرى وقعت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وشركة الصين للطاقة الكهربائية والمعدات والتقنية وشركة بكين لتقنية الإلكترونيات الدقيقة منذ أيام قليلة، مذكرة تفاهم لإنشاء مركز لتصميم وتصنيع رقائق أشباه الموصلات. وفي العام قبل الماضي كانت المجموعة التايوانية "فوكسكون" للتكنولوجيا تجري محادثات مع المملكة لبناء مصنع في مدينة نيوم بقيمة تسعة مليارات دولار لصناعة أشباه الموصلات ومكونات السيارات الكهربائية والإلكترونيات الأخرى. ووفقا لوكالة "بلومبيرج" من المقرر أن يؤسس صندوق الاستثمارات السعودي كيانا جديدا تحت اسم "فيلوسيتي" ليصبح أكبر مساهم في المشروع في حين تتولى "فوكسكون" البرمجيات والهندسة.