فريدمان ومدرسة شيكاغو الجديدة
ملتون فريدمان سيطر على المشهد الاقتصادي لعقود من منبر جامعة شيكاغو ليتسلم القيادة لما سماه البعض المدرسة الثانية بعد فرانك نايت وفنر. ولد فريدمان لعائلة يهودية من الطبقة العاملة في نيويورك في 1912 وتخرج من جامعة روتقرز في نيوجيرسي في 1932 في الاقتصاد والرياضيات. لم تكن الحياة سهلة خاصة بعد وفاة والده وهو في سن الـ16 عاما حيث طموحه وحاجته المالية لمساعدة أمه وأخواته اضطراه للعمل والدراسة. ثم درس في جامعه شيكاغو وحصل على الدكتوراه في 1946 حيث تأثر كثيرا بفرانك نايت وفردرك هايك. أثناء الحرب عمل في الحكومة في وزارة الخزينة وكإحصائي في هيئة التعبئة العسكرية ما جعله يشك في أدوار الحكومة الاقتصادية ودورها في تقليص الحريات الاقتصادية. برز اسمه في الخمسينيات والستينيات كمثقف اقتصادي يدافع عن الحرية الفردية الاقتصادية وبالتالي منظر ومدافع عن النظام الرأسمالي. دوره في الجامعة كان واضحا في الاهتمام باقتصاد السوق ودور أقل للحكومة وتعظيم دور السياسة النقدية.
أهم مساهماته الفكرية كانت النظرية النقدية وتحليل الاستهلاك والتاريخ الاقتصادي. جادل بأن أسباب التضخم كانت وما زالت التوسع في عرض النقود وأن الحل يكمن في نمو محدود في القاعدة النقدية بما يساعد في استقرار الأسعار ومناسب لنمو اقتصادي مقبول على المدى البعيد. ربما أشهر دراسة مع آنا شوارتز كتابهما "تاريخ النقد في أمريكا 1867 ـ 1960" حيث درس العلاقة بين عرض النقود ودورة الأعمال خاصة أثناء الكساد الكبير. الكتاب جاء تحديا لمفاهيم كينز وأن أخطاء البنك المركزي أسهمت في الكساد. كذلك نشر في 1962 كتابه "الحرية والرأسمالية" حيث أصر على أن الحرية الاقتصادية شرط للحرية السياسية. كذلك حاول ترويج فكرة توزيع كوبونات للتعليم ليتمكن الناس من اختيار المدارس الأفضل لأطفالهم وبالتالي تعميم المنافسة بين المدارس من خلال تعظيم دور الفرد في الخيار على حساب دور الحكومة الناقص في التعليم. نشاطه قاده إلى خارج الدراسات الأكاديمية فعمل مستشارا رسميا وغير رسمي للرئيسين نيكسون وريجان كان له دور معتبر في تشكيل السياسة الاقتصادية، وامتدت علاقته إلى دول أخرى كثيرة.
ربما يذكره التاريخ كمنظر وناشط جديد لإعادة إحياء الفكر والممارسة الاقتصادية الليبرالية خاصة التخصيص والاهتمام بحقوق المساهمين وبالتالي إعلاء دور المال والاستثمارات المالية. تطورات ربما أسست لاحقا للأزمة المالية العالمية سنة واحدة بعد وفاته. حصل فريدمان على جائزة نوبل في الاقتصاد في 1976 لدوره في النظرية النقدية وتحليله لسياسة استقرار الأسعار. استفاد كثيرا من الحياة العملية في الحكومة ومنها سنة في باريس على مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا وسنة أكاديمية في كامبريدج في الخمسينيات حيث وجد الطرح الثقافي إلى اليسار من أفكاره. استمر استاذ اقتصاد في جامعة شيكاغو إلى أن تقاعد في 1977، واستمر أستاذا زائرا في معهد هوفر في جامعة ستانفورد وفي الصيف تعاون مع كلية دارتموث في ولاية فيرمونت. تعاون مع هيئة الإعلام العامة الأمريكية في إخراج سلسلة حلقات عن الاقتصاد أخذته إلى مناطق مختلفة في آسيا وأوروبا وأمريكا في 1978 لاقت رواجا كبيرا وربما أشهر سلسلة إعلامية عن الاقتصاد. تزوج وخلف ولدا وابنتين وتوفي في 2006.