أسواق النفط بين انتعاش الاقتصاد الصيني ومخاوف الركود
على الرغم من تخفيضات "أوبك +" الإضافية بأكثر من مليون برميل يوميا، واردات النفط القياسية من الصين والنظرة التصاعدية للطلب على وقود الطائرات، إلا أن أسعار النفط ظلت عالقة في نطاق 70 إلى 75 دولارا للبرميل، بدلا من الاقتراب من ثلاثة أرقام. من دون تخفيضات المملكة الإضافية لكانت الأسعار دون هذا النطاق.
إن العوامل الهبوطية واضحة، وهي في الواقع مهمة: عدم اليقين بشأن وتيرة الانتعاش الاقتصادي الصيني من الوباء، على الرغم من المعدل القياسي لوارداتها من النفط؛ ومخاوف التضخم والركود التي يبدو أنها أصبحت الشاغل الرئيس لتجار السلع الأساسية.
في الواقع، أصبحت الصين مصدر قلق وعدم يقين حقيقي لسوق النفط. أدى التعافي غير المتكافئ للاقتصاد الصيني بعد رفع إجراءات الإغلاق إلى إرباك جميع التوقعات لأسواق النفط لهذا العام، ما أدى إلى ضغط هبوطي على أسعار النفط. تستورد الصين كميات قياسية من النفط الروسي، وتبني احتياطيات للمستقبل. حيث، تستعد لزيادة الطلب المحلي وتوسيع النشاط في مجال تكرير النفط وتصديره.
في نهاية 2022، كان انفتاح الاقتصاد الصيني أحد العوامل الرئيسة في توقعات أسعار النفط. توقع بعض الخبراء، ارتفاع أسعار النفط إلى مستوى 120 دولارا للبرميل مع التعافي الكامل لنشاطها الاقتصادي.
في الوقت الذي توقع فيه عديد من المحللين أن الاقتصاد الصيني سيوفر أكثر من نصف نمو الطلب العالمي على النفط هذا العام، حذر آخرون من المبالغة في تقدير الإمكانات الاقتصادية للصين لعام 2023، وأشاروا إلى احتمال حدوث انتعاش اقتصادي أبطأ وأكثر تقلبا مع عدم يقين حول أسعار النفط.
الآن وقد تجاوزنا نصف 2023، أصبح من الواضح أن انتعاش الاقتصاد الصيني الذي تم الحديث عنه كثيرا لم يحدث. لم نشهد انتعاشا قويا من قطاع العقارات، التصدير والصناعة. استجابة للبيانات التي تظهر صعوبات في الاقتصاد الصيني، خفض عديد من البنوك توقعاته لأسعار النفط.
من ناحية أخرى، تستورد الصين كميات قياسية من النفط الروسي وتخزن كميات هائلة من النفط. في أيار (مايو)، جددت الصين احتياطياتها بمعدل 1.77 مليون برميل يوميا، وهو ما يتوافق مع الحد الأقصى منذ تموز (يوليو) 2020. وفي الوقت نفسه، معدل تشغيل المصافي مرتفع أيضا. في أيار (مايو)، عالجت المصافي الصينية 14.6 مليون برميل يوميا، بزيادة 15.4 في المائة عن الشهر نفسه من العام الماضي. وكان أيضا ثاني أعلى مستوى على الإطلاق.
ومع ذلك، في ضوء البيانات الاقتصادية، من غير المرجح أن يزيد الاستهلاك المحلي للمنتجات البترولية فيها. تستخدم الصين النفطين الروسي والإيراني الرخيصين المتاحين الآن في السوق، وتكررهما إلى منتجات بترولية لتصديرهما إلى دول أخرى في المنطقة، كما توفر جزءا منهما في الاحتياطيات. وفقا لـ"رويترز"، في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2023، زادت صادرات المنتجات البترولية من الصين بنسبة 45.5 في المائة.
من الواضح أن الصين راضية عن وتيرة التعافي الاقتصادي غير المتكافئ وتريد الآن الاستفادة القصوى من أسعار النفط المنخفضة، ما دامت الفرصة متاحة. بالفعل، التوقعات بشأن تعافي الاقتصاد الصيني لعام 2023 كانت خاطئة، ولكن في 2024، يمكن أن ينمو الطلب على النفط بشكل ملحوظ. تستعد الصين لذلك، وكذلك المملكة، التي تنتج الآن أقل، لكنها تدخل في عقود تنص على زيادة الإمدادات إلى الصين في المستقبل.
هناك أيضا عامل هبوطي آخر يلعب دوره، وهو تحول الطاقة وعشرات التوقعات التي تقول إن التحول إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية سيقوض الطلب على النفط.
مع هذه الدرجة من عدم اليقين، يفكر عديد من المنتجين بالفعل مرتين في خطط زيادة الإنتاج. وهذا ما يقودنا إلى الخطر الأكبر للوضع الحالي لأسعار النفط: الارتفاع القادم الناتج عن تأرجح السوق إلى عجز.
هذا ليس بالسيناريو الجديد. في الواقع، ظل المحللون يحذرون من ذلك منذ فترة. وفقا للبيانات الأخيرة من "ريستاد" للطاقة، يمكن أن يصل هذا العجز إلى 2.4 مليون برميل يوميا خلال النصف الثاني من العام. في غضون ذلك، سينمو الطلب بمقدار 1.7 مليون برميل في اليوم. في مثل هذا السيناريو من البدهي ارتفاع أسعار النفط.
بالفعل، سترتفع بمجرد أن يكتشف التجار الفجوة بين العرض والطلب، ويتذكرون حقيقة أن الطلب على النفط غير مرن تماما بسبب الطبيعة الأساسية للسلعة. حيث، يستخدم النفط في كل شيء تقريبا بشكل أو بآخر. هذا يعني أنه مهما كان السعر، فإن الطلب سيتغير قليلا.
في الوقت الحالي، يبدو أن التجار منشغلون بعودة الصين إلى وضعها الطبيعي، والركود الأوروبي والتضخم في الولايات المتحدة، ويبدو أنهم نسوا هذه الحقيقة الأخيرة. لكن في الوقت نفسه، يشهدون استقرارا في صادرات النفط من روسيا على الرغم من تعهدها بخفض الإنتاج بمقدار نصف مليون برميل يوميا، زيادة صادرات النفط من إيران، وتخفيضات إنتاج أقل من المخطط لها من بعض دول "أوبك +". بعبارة أخرى، هناك كثير من المعروض في الوقت الحالي. ولا يبدو أن الطلب سيرتفع بقوة في أي مكان وفي أي وقت قريبا، على الأقل بناء على بيانات التنقل.
بالفعل، أصبحت الصادرات الروسية أمرا غامضا لأنه، كما ذكرت "ريستاد" للطاقة، قامت روسيا بالفعل بخفض الإنتاج بنحو 400 ألف برميل يوميا. هذا أقل من الموعود، لكنه ليس بالقليل. ومع ذلك، لا تزال الصادرات أقوى مما توقعه الجميع تقريبا.
هذا، والوتيرة غير المرضية على ما يبدو لنمو الاقتصاد الصيني، هما العاملان اللذان يبقيان مخاوف العرض تحت السيطرة في الوقت الراهن. لأنه عاجلا أم آجلا، ستبدأ الأسواق بالشعور بتخفيضات "أوبك +" الإضافية، ذلك لأن الطلب على النفط لن ينخفض بدرجة تتناسب مع تخفيضات العرض.
كل هذا يعني أن أسعار النفط سترتفع في وقت لاحق من هذا العام، خاصة أن النصف الشمالي من الكرة الأرضية يقترب من الشتاء ويؤدي الطلب على التدفئة إلى ارتفاع الطلب على النفط. قد يكون موسم القيادة في الصيف مؤشرا جيدا لاتجاهات الطلب على النفط، لكن موسم التدفئة الشتوي أفضل. السفر في الصيف هو مسألة تفضيل ووسيلة. لكن، البقاء دافئا في الشتاء أمر ضروري.