المساهمات العقارية .. من المغامرة إلى الاستثمار
يعد القطاع العقاري من أهم القطاعات ذات العلاقة بحياة المواطن وأكثرها تأثيرا في تحقيق جودة الحياة له في مجال تأمين المسكن المناسب له وأسرته، ووعاء استثماريا يشكل مصدر دخل له إذا استثمر فيه خاصة أن هذا النوع من الأنشطة الاقتصادية يعد عالميا من الأعلى ربحا والأكثر أمانا، ولذا فإن أكثر أغنياء بلادنا خلال العقود الماضية كانوا من أصحاب العقارات الذين كانت لديهم الجرأة على خوض المغامرة. في وقت لم تكن هناك أي ضمانات أو أنظمة واضحة تحمي المستثمر في هذا القطاع، ولذا فإنها بحق كانت مغامرة إما أن تؤدي بك إلى عالم الثراء وإما إلى الخسارة وربما إلى السجن.
وكان من أسباب الخسائر التي طالت كثيرا من بسطاء الناس ما سمي المساهمات العقارية، التي إن كان من تولاها صاحب ذمة وإحساس نجحت، ودون ذلك وفي ظل غياب تشريعات واضحة حينها كان هناك كثيرون تعرضوا للخسارة بعد أن جمع كل منهم مبالغ صغيرة تعب في اكتسابها، وربما اقترض معها وباع بيته للدخول في المساهمة ثم حصد الوهم وتعطلت المساهمة، ولم يعد يجد حتى من يجيب عن أسئلته عن مصير "تحويشة العمر"، وتبخر حلم الثروة وحل محله شبح الخوف من ملاحقة الدائنين والمشاركين معه في المبلغ الذي قدمه لمن كان حديثه يفيض بالوعود الكبيرة، ثم اختفى وأغلق مكتبه وألغى هواتفه التي كانت لا تسكت أيام إعلان المساهمة العقارية التي لم يعد هناك من يذكرها أو يستقبل من يريد السؤال عنها.
وتعثر عديد من المساهمات وبادر الدكتور توفيق الربيعة يوم كان وزيرا للتجارة بتشكيل لجان لمحاولة معالجة المساهمات المتعثرة، وأثمرت هذه الفكرة الموفقة التي يشكر عليها الدكتور الربيعة في حل بعض الإشكالات لكنها لم تستطع حل جميع المساهمات لكثرتها وتعقيداتها، وجاء الحل الشامل في عهد الحلول الحاسمة حيث صدر الثلاثاء الماضي قرار مجلس الوزراء بالموافقة على نظام المساهمات العقارية وهو أول نظام يصدر لضبط هذه المساهمات وحوكمة إجراءاتها.
ومن أبرز أهدافه حماية حقوق جميع الأطراف واعتماد الشفافية للحد من تعثر المساهمات، وينص النظام في مواده الواضحة والقوية بحتمية الحصول على ترخيص من الهيئة العامة للعقار وموافقة هيئة السوق المالية على طرح المساهمة، وأن تكون الأرض مملوكة بصك شرعي ساري المفعول بناء على إفادة الجهة التي أصدرته .. وهناك مادة تنص على تأهيل وتصنيف المرخص لهم لممارسة نشاط المساهمات العقارية وتحديد المساهمة العقارية بمدة محددة .. وتعيين محاسب قانوني واستشاري هندسي لكل مساهمة عقارية.
أخيرا، هناك نص مهم في نظام المساهمات العقارية وهو ألا تباع المساهمة العقارية إلا بعد التقييم من مقيمين معتمدين .. وبصدور هذا النظام الواضح نستطيع القول إن المساهمات العقارية قد خرجت من النفق المظلم الذي يعد الداخل فيه مفقودا والخارج منه مولودا، بحيث تصبح نشاطا واضحا يدخل فيه المستثمر الكبير والصغير وهو يعرف جميع الجوانب والجهات المشرفة التي يلجأ إليها عند حدوث ما يثير الشكوك.