صناع السياسات والمفاوض الفاعل «3 من 3»

وبشأن تأثير الجائحة في التجارة، فقد كان هناك عديد من اضطرابات الإمداد، ما دفع بلدنا وشركاتنا إلى إعادة تقييم مواطن الضعف والمخاطر التي تشوب سلاسل الإمداد.
وخلال الأيام الأولى من الجائحة، وبسبب تفشي الفيروس في الصين، لم تستطع شركة صناعة السيارات الكورية "هيونداي" استيراد ضفائر الأسلاك الكهربائية من الصين. وهو منتج بسيط يمكن صناعته يدويا، وليس معقدا مثل أشباه الموصلات. لكن الصين تورد 95 في المائة من هذا المنتج. لذلك، عندما أغلقت المصانع أبوابها في الصين، اضطرت شركة "هيونداي موتور" إلى تعليق عمليات الإنتاج في مصانعها في مدينة أولسان لعدم قدرتها على الحصول على الضفائر الكهربائية، واستوردت المنتج لاحقا من كمبوديا. وفي العام نفسه، تم البدء بمفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع كمبوديا.
وهنا يطرح سؤال: هل أصبح خطر تفكك الاقتصاد العالمي أشد وطأة؟ وإلى أي مدى تعد كوريا معرضة لهذا الخطر؟ يعد هذا الاتجاه مثيرا للقلق: مواصلة تسييس القضايا الاقتصادية والتجارية، والتوجه الأمني الذي بات سمة التجارة، والخلط بين السياسات التجارية والأمن. ففي ظل المخاوف المتزايدة بشأن الأمن القومي والمنافسة الجغرافية - السياسية بين الولايات المتحدة والصين، ينظر عديد من صناع السياسات في الدول الكبرى وحول العالم، إلى القضايا الاقتصادية من منظور الأمن القومي.
ويتضح ذلك من خلال سياسات مختلفة، مثل إعادة هيكلة سلاسل الإمداد، وإعادة توطين النشاط أو نقل الأنشطة إلى الداخل أو التوريد من الدول الصديقة، وعودة السياسات الصناعية أو إعانات الدعم الضخمة، وضوابط التصدير أو غربلة الاستثمارات. تلك السياسات يمكن أن يكون لها تأثير دائم في سلاسل الإمداد العالمية، وأن تؤدي إلى تفكك القطاعات الحيوية. وكما جاء في أحدث عدد من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة تكلفة ممارسة الأعمال، والحد من قدرة الشركات على النفاذ إلى الأسواق العالمية، وزيادة عدم اليقين بشأن التجارة، وإثارة النزعة الحمائية والخلافات.
ورغم أن كوريا تعمل جاهدة على أن تظل من دول التجارة الحرة، ترك هذا الاتجاه بصمته على البلد، وأصبحت صلابة سلاسل الإمداد والأمن الاقتصادي من المصطلحات الرائجة في سيئول أيضا. لذلك، اتخذنا خطوات نحو تعزيز الصلابة، بما في ذلك دعم التنافسية الصناعية والتكنولوجية في القطاعات الحيوية، وزيادة التنوع الاقتصادي.
كذلك، نسعى بقوة إلى تعزيز التعاون الدولي من خلال الاتفاقيات الثنائية ومحدودة الأطراف ومتعددة الأطراف، مع الإقرار بأن تعزيز صلابة سلاسل الإمداد لا يعني بالضرورة التحول عن الانفتاح الاقتصادي، بل يمكن تحقيقه من خلال الجهود المشتركة.
ولا يزال من غير المؤكد إلى أي مدى سينتشر هذا الاتجاه التفككي، لكن أمامنا تحديات جمة. وعلى الدول، بما في ذلك كوريا، التأقلم مع هذه البيئة المتغيرة، والسعي بقوة للحفاظ على حرية التجارة وتشجيعها مع تحقيق التوازن الصحيح بين كفاءة سلاسل الإمداد وصلابتها وأمنها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي