بروز نادر "للأصول الاستثمارية" في السوق السعودية مستفيدة من تحركات السايبور
أظهر رصد لـ"الاقتصادية"، أن بيئة الفائدة المرتفعة وفرت فرصا استثمارية جديدة في السوق السعودية، عبر بروز نادر "للأصول الاستثمارية"، التي تستفيد من تحركات السايبور، وسط توجه سيولة المستثمرين المؤسسيين لاقتناص تلك الفرص قبل الآخرين.
وظهرت تداولات مكثفة واستثنائية على جميع إصدارات السندات والصكوك، التي تتبع حركة السايبور في السوق السعودية.
وما بات يعرف بـ"سندات وصكوك السايبور"، أصبح بمنزلة نوع جديد من الأصول الاستثمارية حاز على اهتمام السيولة الذكية. فبعد صبرهم على التوزيعات المتدنية لأعوام طويلة، أصبح المستثمرون السعوديون يحصلون على أخبار إيجابية بعد رهانهم على "صكوك السايبور"، لكون مدفوعاتهم الدورية ارتفعت بصورة قياسية عما كانت عليه قبل عامين، بحسب رصد وحدة التقارير الاقتصادية.
يأتي الاهتمام المتزايد بهذا النوع من الأصول، الذي تم تجاهله إبان حقبة الفائدة المتدنية، إلى ظهور قفزة طبيعية بمدفوعات الصكوك، الخاصة بالشركات، التي تتبع حركة السايبور.
وجاء ذلك بعد أن أصبح مصدرو أدوات الدين تلك، ولا سيما من الشركات، يدفعون للمستثمرين بين 6.78 في المائة و8.90 في المائة بنهاية النصف الأول من 2023، وفقا لمنصة "تداول" للصكوك والسندات غير المدرجة للشركات في السوق.
وبات المستثمرون الأوائل في سندات "الحكومة السعودية" في 2016 إبان فترة الفائدة المنخفضة يتسلمون عوائد بين 5.72 في المائة إلى 6 في المائة بسبب "الفائدة المتغيرة" وذلك بنهاية النصف الأول. فما يجنيه المستثمرون من توزيعات الأرباح في السندات الحكومية ذات الفائدة المتغيرة، التي تبقى على حلول أجلها أقل من ثلاثة أعوام، يعد أعلى بأكثر من 30 في المائة مما تمنحه عوائد الصكوك الحكومية الحالية.
وقبل 18 شهرا كانت صكوك "السايبور" تمنح عائدا بحد أقصى عند 3 في المائة، وذلك قبل أن يقفز "عائد التوزيعات الدورية" بأكثر من الضعف. يذكر أن هناك شركات قد نجحت في تثبيت مدفوعات الفائدة على صكوكها عند نطاق 2.11 في المائة إلى 3.5 في المائة، ولم تتأثر بحركة السايبور، ما يعد الآن بأقل من أسعار السوق الحالية.
يشار إلى أن الشركات الخليجية، التي أصدرت أدوات دين بفائدة "متغيرة" أصبحت تتفاجأ بارتفاع تكاليف التمويل بعد صعود مراجع التسعير، حيث إن عددا قليلا قد قام بتثبيت الفائدة على الدين المقوم بالعملات المحلية.
استند رصد "الاقتصادية"، إلى بيانات موقع تداول، حيث تم تقسيم الإصدارات خلال فترة الفائدة المنخفضة -أي الإصدارات التي تمت قبل 2021- والإصدارات التي تمت بعد ارتفاع أسعار الفائدة، أي منذ 2021 وما بعدها.
وغير معروف إذا ما كانت تلك البيانات تعكس واقع سوق الإصدارات الخاصة بالصكوك بسبب غياب بيانات بعض "الإصدارات الخاصة " جراء عدم قيام جهات الإصدار بتسجيل بيانات الإصدار، ولا سيما إصدارات الدين التي تتم عبر منصات شركات الفنتك.
وتحتوي منصة بيانات "الصكوك والسندات غير المدرجة" على ما لا يقل عن 38 إصدارا من 20 شركة.
أما بخصوص البيانات التاريخية لحركة آجال السايبور فتم الاستعانة بمنصة "ماكرو بوند" السويدية، التي لديها برمجيات خاصة تمكنت على إثرها بتكوين أكبر قاعدة بيانات اقتصادية، مدعومة بأدوات تحليلية تساعد الباحثين بربط تلك البيانات مع بعضها بعضا وتكوين صورة شاملة عن الاقتصاد الكلي.
الفائدة الثابتة
كانت "الاقتصادية" قد نشرت تقريرا لها في أوائل يوليو 2023، أشارت فيه إلى أن الشركات السعودية باتت تتجه نحو تسعير إصداراتها المحلية من السندات والصكوك بالفائدة الثابتة، وذلك لجذب المستثمرين الذين يبحثون عن العائد الأعلى وتقنين الانكشاف على حركة السايبور.
وكشف رصد وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، في ذلك الوقت، عن نمو في تسعير أدوات الدخل الثابت للشركات السعودية بالفائدة الثابتة، بنسبة 177 في المائة.
وكانت 55 في المائة من إصدارات الشركات السعودية إبان حقبة "الفائدة المنخفضة"، تسعر إصدارات دينها عبر الفائدة المتغيرة، نظرا لكون معظم المستثمرين إبان تلك الفترة يأتون من القطاع المصرفي، وذلك قبل أن تتسع قاعدة المستثمرين خلال الفترة الماضية.
وتبين من الرصد كذلك، ظهور توجه من الشركات للتخلي عن ربط تسعير إصدارات الدين بالفائدة المرتبطة بحركة السايبور، وتجلى ذلك بتسجيل انخفاض بمقدار 27 في المائة بإصدارات السندات والصكوك التي يتم تسعيرها بالفائدة المتغيرة.
وتضم قاعدة بيانات موقع "تداول" بيانات 53 إصدارا للشركات السعودية بنهاية نيسان (أبريل) من العام الحالي، منها 34 إصدارا مسعرا بالفائدة الثابتة.
استند الرصد إلى مقارنة قاعدة البيانات المتوافرة لإصدارات القطاع الخاص لدى موقع تداول، ومن ثم مقارنة طرق التسعير التي تمت قبل 2021 وما بعده.
ويعني تسعير أدوات الدين بفائدة ثابتة أن المستثمر يعرف حجم الفوائد التي سيتسلمها خلال فترة معينة، وتميل الجهات المصدرة نحو الفائدة الثابتة من أجل إغلاق نسبة العائد الثابت خلال الأوقات التي تكون فيها أسعار الفائدة منخفضة.
أما أدوات الدين المسعرة بفائدة متحركة أو متغيرة، فإنه يعاد تسعيرها "كل ثلاثة أو ستة أشهر" بحسب بمؤشر القياس المستخدم.
ولدى السعودية سندات محلية بالفائدة المتغيرة وقروض بالفائدة المتغيرة، وتم التوقف عن إصدار أدوات الدين السيادية بالفائدة المتغيرة في 2016 وتلك السندات المحلية مدرجة في السوق المحلية لدى تداول.
وتحتوي هذه السوق المخصصة للشركات على أربعة إصدارات، منها صكوك لشركة الكهرباء، وباقي الإصدارات المدرجة موزعة على شركة الراجحي وصدارة والكثيري.
وقبل كانون الأول (ديسمبر) 2022، كانت سوق أدوات دين الشركات لا تشهد تنفيذ صفقات كثيرة، الأمر الذي أدى لضعف أحجام التداول.
وتتميز الإدراجات القديمة، بكونها قد تم تسعيرها بالفائدة المتغيرة التي تتبع حركة السايبور ولا تحمل طابع توزيع العائد الثابت.
ومع ذلك فالمستثمر، سواء بأداة دين ذات عائد ثابت أو متغير، يحصل على توزيعات دورية كأرباح إلا أنها تكون متفاوتة مع المرجع التسعيري للسايبور.
إلغاء العمولة
أعلنت هيئة السوق المالية في أواخر أبريل إلغاء حصتها من عمولة تداول الصكوك والسندات بدءا من أيار (مايو) 2023.
وقالت الهيئة في بيان، حينها، إن عملية الإلغاء جاءت بهدف تخفيض التكاليف على المتعاملين في السوق بما يخدم تعزيز السيولة وزيادة تنافسية السوق المحلية، وتوسيع قاعدة المستثمرين المحليين في إصدارات الدين الحكومي، ما يسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية لـ"رؤية 2030" والمرتبطة بتطوير القطاع المالي المتمثلة في نمو وتنويع الاقتصاد، وإيجاد سوق رأسمال متقدمة.
وأوضحت الهيئة أنها قامت بإلغاء حصتها من عمولة تداول الصكوك والسندات تؤكد ثبات توجهاتها في التزامها بتحفيز نشاطات السوق الثانوية لأدوات الدين، واعتبار تلك الالتزامات طويلة الأجل، ودون استثناءات، وذلك تماشيا مع هدفها الاستراتيجي المتعلق بتطوير سوق الصكوك وأدوات الدين لتعزيز جاذبيتها للمصدرين والمستثمرين.
وأضافت أنه من المأمول أن يسهم القرار في تحفيز المصدرين على إدراج الصكوك والسندات المقومة بالعملة المحلية في سوق الدين السعودية، وتشجيع المستثمرين على تداول هذه الأدوات، ما يساعد على تعميق سوق الدين وزيادة سيولتها، وذلك مع تنويع خيارات التمويل للقطاعين العام والخاص، بإيجاد فئة جديدة من الأصول لجميع شرائح المستثمرين.
منتجات التحوط
نشرت "الاقتصادية" تقريرا في 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2022 أشارت فيه إلى أن الشركات والصناديق الاستثمارية أصبحت تدرس بجدية النظر بخيارات الحصول على اتفاقيات تحوط متوافقة مع ضوابط الشريعة الإسلامية، وذلك لتثبيت هامش ربح التسهيلات المستخدمة بمحفظة القروض لكل جهة.
يأتي ذلك وسط صعود الفائدة المحلية، الأمر الذي يعجل بخطط الشركات والصناديق نحو منتجات التحوط لثبيت هوامش السايبور خلال المرحلة المقبلة. في حين تحوطت بعض شركات القطاع الخاص بشكل مسبق من ارتفاعات السايبور أوائل هذا العام أو التي قبلها.
وتسهم منتجات التحوط ضد صعود أسعار الفائدة (في بعض الحالات) في توفير مبالغ مالية كانت ستخصص لخدمة الدين. وتتمحور الخطوات الاستباقية لتجنب دفع فوائد عالية من قبل الشركات حول الحصول على عقود تحوط على القروض الجديدة أو اللجوء لخيار السداد المبكر للقروض، وهي خطوات تسهم في توفير تكاليف التمويل وتعظيم أرباح الشركات.
تحديد القيمة العادلة
تكمن التحديات التي تواجه أطراف هذه العملية -أي المؤسسة التمويلية والشركات- في إيجاد القيمة العادلة الخاصة بتثبيت هامش السايبور، ولا سيما مع القروض التي يصل أجل استحقاقها بين ثلاثة إلى سبعة أعوام.
في الوقت الذي تخشى فيه الشركات، التي تعتمد بشكل كبير على الفائدة المتغيرة، أن يتآكل جزء من أرباحها بسبب ارتفاع تكاليف التمويل الناجم عن ارتفاع السايبور، وتحاول الجهة التمويلية عدم تثبيت هامش السايبور بشكل منخفض.
ويسهم التباين حول تحديد القيمة العادلة الخاصة بتثبيت السايبور في تردد الشركات والصناديق نحو الحصول على أداة التحوط تلك وتفضيل الانكشاف على تحركات السايبور.
ولا توجد بيانات حول القيمة العادلة المستقبلية التي تطلبها جهات التمويل كـ(البنوك) من أجل تثبيت هوامش السايبور، التي تتباين وفقا للجدارة الائتمانية الخاصة بالعميل، وكذلك أجل الاستحقاق الخاص بالقرض.
وبحسب إحدى الصفقات المعلنة للعامة، فإن نسبة تثبيت السايبور المستقبلية تفوق أرقام تداوله الحالية بما يقارب 41 في المائة إلى 51 في المائة.
وعلى سبيل المثال في حال كان السايبور يتم تداوله عند 1.40 في المائة، فإن الهامش قد يتم تثبيته عند 2.65 في المائة لسبعة أعوام قادمة، وذلك حتى تاريخ سداد التمويل.
وتأتي تلك التطورات بعد زيادة وعي المتداولين حول الشركات السعودية، التي تميل محفظة قروضها نحو الفائدة المتغيرة وليس الثابتة، لذلك تحرص الشركات والصناديق على التوضيح للمساهمين أنشطتها الخاصة بالتحوط من أسعار الفائدة.
الانكشاف المالي الطبيعي
بعض الشركات تفضل الانكشاف على تحركات السايبور، ولا تحرص الشركات والصناديق على تثبيت أسعار الفائدة عبر منتجات التحوط، بل تحاول قدر المستطاع أن تتكون محفظة قروضها من الفائدة الثابتة -التي لا تتغير بارتفاع أسعار الفائدة- وكذلك جزء من محفظتها مسعر بالفائدة المتغيرة والجزء الآخر خاص بمنتجات تحوط تتعلق بتثبيت هامش السايبور لبعض القروض التي تم أخذها حديثا وتم تسعيرها بالفائدة المتغيرة.
وتحرص الشركات وصناديق الريت على الحصول على منتجات التحوط من أجل حمايتهم من تقلبات هامش الربح خلال فترة استحقاق هذه التسهيلات أو القروض.
وبعض الشركات السعودية المتخصصة بمشاريع البنية التحتية محمية من ارتفاع أسعار الفائدة لنجاحهم في تثبيت فوائد القروض (القديمة) لفترات طويلة تمتد لـ20 عاما لكل مشروع، أي أن الخطة التمويلية الطويلة الأمد لكل مشروع تتضمن مسبقا مقدار الفائدة المتوقع خلال مرحلة اختيار جوانب التمويل لكل مشروع.
أفضل الممارسات
ينتظر أن يقود التوجه الحكومي لتقنين الاستعانة بالفائدة المتغيرة الشركات السعودية من أجل تتبع أفضل الممارسات الخاصة بإصدارات الدين، وذلك نظرا لأن الفائدة المتغيرة تغلب على إصدارات تلك الشركات مع طروحاتها الخاصة من سندات أو صكوك.
ويرى جريق هارت عندما كان مسؤولا عن قطاع الفائدة للشركات بشمال أمريكا لدى بنك أوف أمريكا أنه على الشركات أن تكون نسبة ديونها المسعرة بفائدة ثابتة بين 50 و80 في المائة.
لكن أحد أهم العوامل التي تسهل عملية التسعير هذه هي وجود مؤشر قياس Benchmark يسترشد به وهذا ما أصبح متوافرا حاليا في السوق السعودية.
وهذا المؤشر كان مفقودا في أسواق الدين السعودية لأعوام طويلة قبل أن يعاود الظهور أخيرا مع إصدارات "ساما" من السندات التنموية في 2015.
ما السايبور؟
تستعين البنوك السعودية بمؤشر السايبور عندما تحاول الاقتراض من بعضها بعضا. والسايبور هو سعر الفائدة المعروض بين البنوك السعودية لثلاثة أشهر. وتتفاوت أسعار السايبور وفقا لآجال الاقتراض (القصيرة الأجل) التي قد تراوح ما بين شهر إلى عام.
وتعد أسعار السايبور بمنزلة العمود الفقري الذي تقوم عليه قروض الأفراد والشركات وكذلك بعض إصدارات السندات السيادية (التي تسعر بالفائدة المتغيرة) في السوق المحلية.
وعلى أساسها، يتم تحديد الفوائد / الأرباح التي يدفعها المقترضون للبنوك. وتتم عملية احتسابه بعد أن يقدم 15 بنكا سعر الفائدة ويتم بعدها حذف أعلى وأقل رقمين ومن ثم ننتهي بمعدل نسبة الفائدة. وعندما ترتفع معدلات السايبور، يرتفع كذلك الهامش الربحي للبنوك التي قدمت قروضا لعملاء بفائدة متغيرة. ووحدهم العملاء الذين اختاروا الفائدة الثابتة يصبحون بمأمن من تقلبات أسعار الفائدة.
وأعلن البنك المركزي السعودي في أواخر 2016 موافقته على ما تم الاتفاق عليه بين القطاع المصرفي وشركة "تومسون رويترز" بأن تكون الشركة مديرا لاحتساب وإدارة سعر الفائدة المعروض بين البنوك السعودية "سايبور".
وقال "ساما" إن هذه الخطوة تأتي في إطار الدور الإشرافي والرقابي الذي تقوم به على القطاع المصرفي، وسعيا منها لتعزيز الشفافية والمصداقية في آلية احتساب سعر الفائدة المعروض بين البنوك السعودية (سايبور).
وتعمل اللجنة المشتركة الممثلة من البنوك بالمشاركة في احتساب معدل "سايبور" الذي ستقوم "تومسون رويترز" باحتسابه استنادا إلى منهجية وإجراءات تتوافق مع المبادئ والإرشادات التي وضعتها المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية "الأيسكو".
وحدة التقارير الاقتصادية