ابتكارات الطاقة المتجددة
أصبحت الحاجة إلى الطاقة المتجددة أمرا ضروريا للحد من التلوث والتغيير المناخي ولتحسين الاستدامة البيئية، حيث سبق أن تحدثت في مقال سابقا عن بعض التوقعات الإحصائية للتكلفة الاقتصادية التي سيتكلفها الاقتصاد العالمي عموما من جراء التلوث والتغيير المناخي، وما يسببه من ارتفاع في معدلات درجات الحرارة والأخطار والآثار الكارثية لذلك، حيث أشارت تلك الدراسات إلى أن تكلفة الاقتصاد العالمي ستصل إلى نحو تريليوني دولار سنويا بحلول 2030. ولعلي في هذا المقال أتطرق إلى بعض الحلول الابتكارية والمفيدة في هذا الجانب، خاصة في الطاقة المتجددة بالذات، وكيفية إسهامها في الحفاظ على البيئة ومكافحة التغيير المناخي والأثر الكبير في تحقيق ذلك.
تعرف الطاقة المتجددة بأنها تلك التي تستخرج ويحصل عليها من مصادر طبيعية وتتجدد بشكل طبيعي وسريع ومستدام، ولا تنضب عند استخدامها، وطبيعة هذا التجدد هي الاستمرارية مع مرور الزمن، وهي تعتمد بشكل أساسي على الموارد الطبيعية المتجددة، مثل: أشعة الشمس والرياح والماء والحرارة الأرضية والنباتات والنفايات العضوية وغيرها. ولعل هذا التعريف هو الأقرب إلى تعريف برنامج الأمم المتحدة لحماية البيئة، حيث يعد هذه الطاقة صديقة للبيئة وبديلا فاعلا ومستداما عن الطاقة الأحفورية، التي تعتمد على استخدام موارد غير متجددة، مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي، والتي تمثل نحو 90 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون حول العالم، فعند استخدام هذه الطاقة المتجددة، لا تنتج عنها الكميات الكبيرة أو الضخمة من الانبعاثات الضارة أو الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ما يسهم في الحفاظ على البيئة والتقليل من تأثير التغير المناخي المطلوب. وهناك عديد من التقنيات التكنولوجية الابتكارية في هذا الجانب لتوليد هذه الطاقة، ومن الأمثلة على ذلك، تقنيات الطاقة الشمسية التي يتم عن طريقها تحويل طاقة الشمس إلى كهرباء باستخدام الخلايا الشمسية. ومن ذلك أيضا تقنيات طاقة الرياح التي عن طريقها يتم توليد الكهرباء باستخدام توربينات الرياح، وتقنيات الطاقة المائية التي من خلالها تحول طاقة المياة المتدفقة في الأنهار أو المحيطات إلى كهرباء، وأيضا تقنيات الطاقة الحرارية الأرضية التي تستخدم حرارة الأرض لتوليد الكهرباء، وكذلك تقنيات الطاقة الحرارية الشمسية التي تستخدم في تسخين المياه أو المواد باستخدام حرارة الشمس، وإضافة إلى ذلك هناك تكنولوجيا الهيدروجين الأخضر التي تشمل إنتاج الهيدروجين باستخدام الكهرباء المتجددة من مصادر مثل الطاقة الشمسية والرياح. ويعد الهيدروجين الأخضر وقودا نظيفا يمكن استخدامه في عديد من التطبيقات. وهنالك أيضا عديد من الابتكارات المستخدمة في تقنيات تكنولوجية لإدارة الشبكات الذكية التي من خلالها يتم التحكم في توزيع وإدارة الطاقة المتجددة عبر الشبكات الكهربائية، وغير ذلك الكثير.
ولا شك أن التحول إلى الطاقة المتجددة النظيفة له آثار إيجابية متعددة تسهم في الحد من التلوث وتغير المناخ وتوفير الطاقة بطرق مستدامة ومستقبلية، ومن ذلك تقليل الاحتباس الحراري، الذي بات أثره واضحا، والتقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ومن استهلاك المياه ومن تلوث الهواء، وبالتالي ينعكس ذلك على البيئة والصحة عموما، حيث أكد كثير من الدراسات والتقارير الدولية الاقتصادية، أن التحول إلى الطاقة المتجددة سيوفر أكثر من 12 تريليون دولار بحلول 2050. لذا يعمل كثير من المراكز البحثية والتطويرية والشركات حول العالم ويركز في أبحاثه وابتكاراته على التقنيات التي توفر كفاءة أعلى في استخدام الطاقة ودمجها بتقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارتها بطرق أكثر ذكاء وابتكارا، ومن ذلك على سبيل المثال، ما قدمته شركة Lavo الأسترالية الناشئة، كتقنية جديدة لإنتاج الطاقة تعتمد على هجين أخضر من الهيدروجين والليثيوم، حيث قامت بتصنيع خلايا وقود الهيدروجين الخضراء التي تستخدم الطاقة الشمسية والمياه لإنتاج الكهرباء، كنظام بطاريات شحن متين يعمل في درجات حرارة مختلفة ومن خلاله يمكن تخزين الطاقة بشكل مستمر، ومن الأمثلة كذلك، ما قامت به شركة Likewatt الألمانية الناشئة بتطوير حل برمجي حاصل على براءة اختراع يوفر تحليلا لإجمالي الطاقة المستهلكة باستخدام الذكاء الاصطناعي حيث يمكن من خلاله معرفة ومراقبة كمية الطاقة المستخدمة في كل وقت كما يمكن من خلاله أيضا قياس انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، إضافة إلى ميزات أخرى، والأمثلة في هذا السياق كثيرة، حيث تتطور هذه الابتكارات التكنولوجية بشكل سريع ومستمر لا يتسع المقال لسردها.
وفي السعودية، ولتعزيز دورها الريادي في معالجة التحديات المناخية العالمية، تم إطلاق البرنامج الوطني للطاقة المتجددة في 2017، وهو إحدى مبادراتها الاستراتيجية ورؤيتها 2030، الذي من أهدافه استغلال وتفعيل المصادر المحلية لإنتاج الطاقة المتجددة، إضافة إلى إطلاق عديد من المشاريع الاستثمارية في هذا المجال، وأرى أن مثل هذا البرنامج والمشاريع، وتوعية المجتمع بأهمية الحفاظ على الموارد والمصادر الطبيعية، وتطوير المناهج التعليمية على جميع المستويات بإدراج منهجية الطاقة المتجددة في ذلك، إضافة إلى الاستفادة من تجارب الدول الكبرى واستقطاب الشركات العالمية وتشجيع الشركات المحلية واستغلال ذلك في توطين هذه التقنيات في هذا المجال الحيوي الذي أصبح توجها عالميا سيسهم وبشكل فاعل في دعم منظومة الاقتصاد الوطني وتحقيق أهدافها.