البنوك المركزية ومواجهة التضخم بمفردها «2 من 2»
لم تسرع الحرب في أوكرانيا هذا التحول في سلسلة الإمداد فحسب، بل تسببت أيضا في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ما زاد من تفاقم التضخم، ولا سيما في الدول منخفضة الدخل. في حالة الوقود الأحفوري، أدى نمط سابق من نقص الاستثمار في القدرات في نقاط متعددة على طول سلسلة التوريد إلى تفاقم المشكلة.
لكن المسألة لم تنته عند هذا الحد. في الواقع، يتم إنتاج أكثر من 75 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في الدول التي تشهد شيخوخة سكانية مرتفعة. تعرف معدلات إعالة المسنين ارتفاعا مستمرا، وفي بعض الدول، تتقلص نسبة القوى العاملة. يمكن أن تواجه مكاسب الإنتاجية انكماش عرض العمالة مقارنة بالطلب، لكن بعد ما يقرب من عقدين من انخفاض نمو الإنتاجية، فإن هذه المكاسب لن تتحقق.
لذلك، ترتفع معدلات التضخم بسرعة، وتتعرض البنوك المركزية لضغوط لاتخاذ إجراءات صارمة. مع ذلك، يتمثل خيارها الحقيقي الوحيد في خفض الطلب عن طريق رفع أسعار الفائدة وسحب السيولة. وحفزت هذه التدابير بالفعل على إعادة تسعير هائلة للأصول، بما في ذلك العملات، كما تهدد بدفع النمو العالمي إلى ما دون المستوى الممكن تحقيقه، مع معاناة الاقتصادات ذات الدخل المنخفض بشكل غير متناسب، والحد من الاستثمار في عملية الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.
هناك طريقة أخرى، والمتمثلة في تدابير جانب العرض. لقد مكنت التجارة والاستثمار منذ فترة طويلة العرض من التوسع السريع استجابة للطلب العالمي المتزايد. لكن على مدار ما يقرب من عقدين من الزمان -خاصة في الأعوام القليلة الماضية- أضاف انتشار الحواجز التجارية مزيدا من الاحتكاك إلى هذه العملية. يجب عكس النزعة الحمائية، مع قيام الرئيس الأمريكي جو بايدن، بإلغاء التعريفات التي فرضها سلفه دونالد ترمب، وقيام أوروبا بتسريع تكامل أسواق خدماتها.
وفي الوقت نفسه، يجب بذل مزيد من الجهود لتحسين الإنتاجية. ستشكل التقنيات الرقمية أهمية بالغة في هذه المرحلة. بينما ساعدت الجائحة على تسريع التحول الرقمي، فإن عديدا من القطاعات -بما في ذلك القطاع العام- ما زال متخلفا، ولا تزال المخاوف بشأن آثار التشغيل الآلي على التوظيف قائمة.
ومع ذلك، في عالم يتسم بقيود العرض والنقص المستمر في اليد العاملة، فإن التقنيات الرقمية المعززة للإنتاجية، جنبا إلى جنب مع ارتفاع أجور العمال، ستقطع شوطا طويلا نحو تحسين التوازن بين العرض والطلب. على سبيل المثال، يمكن للأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي أداء مجموعة واسعة من الوظائف، من فحص الأمتعة بكفاءة أكبر في المطارات إلى تحليل التصوير الطبي للكشف عن السرطانات. وإلى جانب التكنولوجيات الرقمية، يمكن تبسيط وتحسين الأنظمة التنظيمية من أجل تقليل العقبات على مستوى العرض.
يجب تطبيق هذه الأجندة على كل من القطاعين العام والخاص. وعلى الصعيد الدولي، سيكون من الضروري بذل مزيد من الجهود لتسهيل التجارة، ومعالجة أوجه الجمود في سلسلة الإمدادات، وسد فجوات البيانات. بخلاف ذلك، ستعمل البنوك المركزية على مواجهة التضخم بمفردها ـ مع ما قد يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي بأكمله.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.