بنتي الدلوعة

من قوانين التربية أن ما يغرسه الآباء والأمهات في عقول أبنائهم من مبادئ وأفكار وسلوك وأخلاق سيكون هو خريطة طريقهم في المستقبل، سواء طريقتهم في التعامل مع الآخرين أو فهم ما يريدون من الحياة، تخيل أن تزرع شجرة من النوع المثمر وتتركها دون تشذيب واهتمام وتسميد وتكتفي بريها فقط، راقبها خلال أعوام نموها ستجد أغصانها قد خرجت في كل اتجاه بشكل قبيح وفروعها انحرفت بشدة بحيث يصعب عليك إصلاحها وثمارها أصابها العطب والعفن وربما يبست في مكانها، هكذا هم الأبناء الذين لم ينالوا شيئا من التربية القويمة سيصعب إصلاحهم حين يشتد عودهم ويصلون لمرحلة معينة في العمر.
قانون التربية الذي ينص على أن ما نزرعه في أبنائنا صغارا سنحصده فيهم كبارا، خطر في عقلي وأنا أستمع لتلك الأم التي تقول بكثير من المرارة: "بعد سبعة أعوام من الزواج رزقت بابنتي الكبرى فكانت سعادتي وأبيها لا يضاهيها شيء، أصبحت طلباتها أوامر، ودللناها بشكل مبالغ فيه، خصوصا أني لم أنجب بعدها إلا بعشرة أعوام، ثم جاء أبنائي الخمسة على التوالي، كانت شخصيتها تميل إلى الأنانية والنرجسية والتعالي، وتعد أننا والناس من حولها مجرد أشخاص لا قيمة لهم إن لم يقوموا بتحقيق طلباتها وأمنياتها، كبرت وتخرجت من الجامعة وتقدم كثر للزواج منها ومن خيرة الشباب، لكن مع الأسف كانوا يصدمون بشروطها التعجيزية، تخيلي بغض النظر عن الشروط المتعارف عليها كشرط منزل مستقل وعدم الاعتراض على الوظيفة والقيادة كانت تشترط ألا يأمرها زوجها إطلاقا حتى لو كان يرغب في كأس شاي ولا يمنعها من السفر مع صاحباتها في أي وقت ولا يرفض لها طلبا أيا كان، كانت هذه الشروط كفيلة بتنفير الخطاب، ولا ألومهم إطلاقا في ذلك، حاولت ووالدها التأثير فيها وإقناعها وعرضها على طبيب نفسي لكنها رفضت كل ذلك، ما يؤلمني الآن أنها أوشكت على تجاوز الـ30 من عمرها ولم تتغير قناعاتها، نحن نشعر بتأنيب الضمير على تدليلنا لها بشكل مبالغ سيتسبب لها بالتعاسة بعد رحيلنا وزواج جميع أشقائها وشقيقاتها، فماذا أفعل؟
لا يمكن للمزارع مهما بلغت مهارته أن يعدل ميلان جذع شجرة معمرة دون أن يؤدي ذلك إلى موت جذورها والإضرار بها!
لكن عليه أن يتقبل وجودها بهذا الشكل، لأنه هو من أهملها حتى استصعبت التعديلات.
وخزة:
إشكالية بعض الأهل أنهم يربون أبناءهم على أن الحياة مثل حضنهم الدافئ، بينما الحقيقة أنها مثل الأرجوحة المهترئة التي إن لم يتمسكوا بها جيدا حتى ينتهي دورانها فستلقي بهم بعيدا حتى يسمعوا طقطقة عظامهم فوق رصيفها الأسمنتي الموجع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي