الذكاء الاصطناعي وحتمية الإنتاجية «1 من 2»
في مختلف أنحاء العالم، يكافح الـعـرض لملاحقة الطلب، على الرغم من الزيادات الحادة التي طرأت على أسعار الفائدة. وتزداد شيخوخة القوة العاملة العالمية بسرعة. كما ينتشر نقص العمالة على نحو مستديم في كل مكان.
هذه ليست سوى بعض القوى الكامنة وراء تحدي الإنتاجية الذي يواجه الاقتصاد العالمي. وبات من الواضح على نحو متزايد أننا يجب أن نعمل على تسخير الذكاء الاصطناعي في التصدي لهذا التحدي.
على مدار العقود الأربعة الأخيرة، جلب نمو الاقتصادات الناشئة السريع زيادة كبيرة في القدرة الإنتاجية، التي عملت كقوة عاتية خافضة للتضخم على جانب العرض. وعملت الصين، خصوصا، كمحرك قوي للنمو. لكن محرك نمو الاقتصاد الناشئ هذا أصابه الضعف بشكل كبير في الأعوام الأخيرة. فقد أصبح النمو بعد الجائحة في الصين أقل كثيرا من إمكاناته ولا يزال في تراجع مستمر.
علاوة على ذلك، تعمل التوترات الجيوسياسية، وصدمات عصر الجائحة، وتغير المناخ على تعطيل سلاسل التوريد العالمية، كما تعمل مجموعة من حوافز السوق وأولويات السياسات الجديدة ـمثل "إزالة المخاطر" وتعزيز المرونةـ على إرغام الحكومات على ملاحقة عملية تنويع سلاسل التوريد "الباهظة التكلفة". من ناحية أخرى، ارتفعت مستويات الديون السيادية ولا تزال في ارتفاع، ما يقلل من قدرة الدول المالية على تنفيذ استثمارات عامة داعمة للنمو ويزعزع استقرار بعض الاقتصادات.
هذه اتجاهات مزمنة، أي أنها من المحتمل أن تكون سمات ثابتة للاقتصاد العالمي في العقد المقبل. وستتسبب قيود العرض والتكاليف متزايدة الارتفاع في إعاقة النمو. كما سيظل التضخم يشكل تهديدا مستمرا، ما يتطلب زيادة أسعار الفائدة التي تتسبب في رفع تكاليف رأس المال. وسيكون من الصعب للغاية -اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا- ملاحقة الاستثمارات الضخمة المطلوبة على نحو متزايد الشدة، ولكن من دونها ستزداد الارتباكات المرتبطة بتغير المناخ سوءا على سوء.
لكن الأمر لا يخلو من أخبار واعدة. فكما نزعم، أنا وجوردون براون ومحمد العريان، في كتابنا الجديد بعنوان "أزمة دائمة: خطة لإصلاح عالم ممزق"، قد تعمل زيادة عريضة القاعدة في الإنتاجية على تغيير هذه الصورة بشكل كبير. ومع التقدم السريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لن يكون تحقيق هذا الهدف مستحيلا. يتلخص المفتاح في ضمان تركيز إبداع الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته بشكل محوري على نمو الإنتاجية في الأعوام المقبلة.
حتى مع تقدم الذكاء الاصطناعي، من التعرف على خط اليد إلى التعرف على الكلام إلى التعرف على الصور والأشياء، كان الرأي الشائع هو أن هذه التكنولوجيا تعمل على أفضل وجه في مجالات جيدة التحديد. فهي لم تكن تملك قدرة البشر على اكتشاف المجال الذي يعملون فيه والتحول بين المجالات المختلفة حسب الحاجة.
تغير كل هذا مع ظهور النماذج اللغوية الضخمة والذكاء الاصطناعي التوليدي في عموم الأمر. النماذج اللغوية الضخمة قادرة على فهم اللغة، كما تبدو قادرة على اكتشاف المجالات والتحول بينها بشكل مستقل، وربما يقربها هذا خطوة أخرى أقرب إلى الذكاء الاصطناعي العام. ومن الواضح أن إمكانية تحسين الإنتاجية على نطاق واسع جديرة بالحسبان في هذا الصدد.
تعمل النماذج اللغوية الضخمة كمنصات للأغراض العامة لبناء التطبيقات لاستخدامات محددة في مختلف قطاعات اقتصاد المعرفة. ولأنها تفهم وتنتج لغة عادية، فإن أي شخص يستطيع استخدامها. يـقال إن تطبيق ChatGPT اجتذب 100 مليون مستخدم في أول شهرين تاليين من إصداره للجمهور... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.