الميزة الشعبوية وصناعة السياسات «3 من 3»

وفقا للصحافي الفرنسي الليبرالي فريدريك باستيات، من القرن الـ20، "هناك فارق واحد فقط بين اقتصادي رديء واقتصادي بارع: الاقتصادي الرديء يحصر نفسه في التأثير المرئي، والاقتصادي البارع يضع في الحسبان كلا من التأثير الذي يمكن رؤيته والتأثيرات التي يجب التنبؤ بها". لكن عندما تغيب الثقة، لن تكون التحذيرات من جانب صناع السياسات والاقتصاديين بشأن تأثيرات الجولة الثانية غير المرئية موضع تصديق ببساطة. أولئك الذين يحضون على ضبط الأوضاع المالية، على سبيل المثال، سيكون مصيرهم التجاهل وسينعتون بلقب "المتشائم" ـ على الأقل إلى أن ترتفع أسعار الفائدة الحقيقية "المعدلة تبعا للتضخم" إلى الحد الذي يصبح عنده التقشف واجبا لخدمة الدين العام المتضخم. رؤية الحقيقة رأي العين هي السبيل إلى التصديق، لكنها تأتي بعد فوات الأوان.
مرت الأسواق الناشئة والدول النامية بمثل هذه الدورات من قبل، وقد يكون هذا هو السبب وراء تأييد بعض هذه الدول سياسات الاقتصاد الكلي الليبرالية الأرثوذكسية هذه المرة. بيد أن إغراء ملاحقة السياسات الشعبوية غير التقليدية يظل قويا، خاصة الآن وقد احتضنتها الدول الصناعية الغنية.
وعلى هذا فإن الهند، على الرغم من تجربتها الرهيبة مع ما يسمى ترخيص راج، بدأت أخيرا تشترط التراخيص لاستيراد أجهزة الكمبيوتر ـ جزئيا لدعم الإنتاج المحلي، وجزئيا لتقليل اعتمادها على الواردات الصينية. لكن ماذا عن العواقب السلبية التي يخلفها ذلك على الصادرات من خدمات تكنولوجيا المعلومات "أكبر مصدر لعائدات التصدير في الهند" وعلى الأعمال الهندية في عموم الأمر؟ حتى الأرجنتين، المدمنة على الشعبوية، يبدو أنها بدأت تحول عواطفها بعيدا عن البيرونيين اليساريين ونحو التحرريين على جناح اليمين، الذين يعدون بعلاج التضخم عن طريق تبني الدولار الأمريكي "مرة أخرى!" بين إجراءات أخرى.
من الصعب ألا يكون المرء متشائما في أيامنا هذه. في الدول الصناعية، يتأرجح الاتجاه من الإيمان المفرط بالأرثوذكسية الليبرالية إلى الإيمان بالسياسات الشعبوية، إلى أن تصبح أوجه القصور والخلل التي تنطوي عليها السياسات الشعبوية واضحة مرة أخرى. منتهى أملنا ألا يتأرجح الاتجاه في الأرجنتين، خلافا لما يبدو أنه يحدث هناك، بعيدا إلى الحد الذي يجعلها تعود نحو الطرف الأقصى الآخر، وأن نكون قد تعلمنا بعض الدروس على طول الطريق.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي