الحياد الكربوني وتحييد النفط
ذكرت سابقا أن هناك مبالغة من بعض وسائل الإعلام العالمية حول مستقبل النفط وصناعته والاستثمار فيه، لرسم صورة ذهنية مضللة وغير واقعية عن هذا المنتج الحيوي والاستراتيجي، حيث تسعى هذه المنظمات ومن يلف لفها، إلى تمرير رسائل مغلوطة، وتكريس معلومات غير موضوعية عن تحييد النفط وأثره في كوكب الأرض وساكنيه.
لا يعتريني شك أبدا أنها مبالغات غير صحيحة تخدم أجندات سياسية واقتصادية ضيقة الأفق، توحي أحيانا كثيرة بأنها حملة إعلامية ممنهجة من مطبخ إعلامي واحد، لكن العجيب في الأمر أن تتبنى وكالة الطاقة الدولية هكذا طرح، بل تنادي بوقف الاستثمار في صناعة المنبع واستكشاف حقول جديدة للنفط والغاز بهدف الوصول إلى الحياد الكربوني في 2050.
استخدام فزاعة النفط وحماية البيئة ليست وليدة اللحظة، فهي تظهر على السطح بين الحين والآخر بأثواب متعددة تختلف قيافتها باختلاف الواقع السياسي لصناع القرار في الدول المؤثرة عالميا، وعلى رأسها الولايات المتحدة. فكم قرأنا من مقالات وتقارير، وكم شاهدنا وسمعنا في وسائل الإعلام المختلفة عن اكتساح الطاقة المتجددة الأسواق، التي ستنحر صناعة النفط من الوريد إلى الوريد، وعن أثر صناعة السيارات الكهربائية الحاد في الطلب على النفط، وأن العالم سيستغني نهائيا عن الوقود في القريب العاجل، وعلى المدى القصير! كنت وما زلت أقول، نعم هناك توجه لإحلال مصادر الطاقة الأخرى بأنواعها المختلفة، كطاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية وغيرها، وتطوير صناعتها، لكن السؤال المهم الجدير بالإجابة عنه، وفق حقائق السوق وأساسياته، واعتمادا على الدراسات الاستشرافية الرصينة والحيادية، السؤال هو: هل يرتقي ذلك إلى مستوى المزاعم حول النهاية الحتمية القريبة لعصر النفط؟ هل تقويض صناعة المنبع قرار استراتيجي صحيح يصب في مصلحة الأمن الطاقي العالمي؟ تفاوتت الدراسات الاستشرافية حول مصادر الطاقة وحصتها العالمية على المديين القريب والمتوسط، منها المتفائلة والمتحفظة، ومنها الموضوعية وغير الموضوعية.
تقرير "بريتيش بتروليوم" قبل جائحة كورونا يتوقع أن النفط سيبقى متربعا على عرش صدارة مصادر الطاقة العالمية عام 2040 بنسبة 27 في المائة، ويأتي بعده الغاز الطبيعي 25 في المائة، بينما ستحتل الطاقة المتجددة المرتبة الثالثة كمصدر للطاقة عام 2040 بنسبة قد تصل إلى 23 في المائة، ومن ثم الفحم الطبيعي بما يقارب 20 في المائة، وأخيرا الطاقة النووية 5 في المائة. فهل ما سبق من أرقام تدل -ولو من بعيد- على أن نجم النفط آفل على المدى المنظور؟
في رأيي، أن تحول الطاقة العالمي لا يلغي أبدا محورية صناعة النفط وأهميتها، والمشكل الحقيقي هو شح مصادر الطاقة مستقبلا، ما سيقوض التنمية ويضر بالاقتصاد العالمي. الطاقة البديلة -في اعتقادي- ليست بديلة، كما ذكرت سابقا، ولا تصف بدقة طبيعة العلاقة التكاملية بين الطاقة الأحفورية ومصادر الطاقة الأخرى.
السعودية نموذج حقيقي وعملي على أرض الواقع يراه كل منصف جليا، يظهر المعنى الحقيقي لتعريف الوكالة الدولية للطاقة لأمن الطاقة، على أنه "توافر مصادر الطاقة دون انقطاع، وبأسعار يمكن تحملها"، فهل تتسق تصريحات وكالة الطاقة الدولية مع تعريفها للأمن الطاقي؟!
الحقيقة التي لا تحجب بغربال، أن السعودية تحمل لواء حماية البيئة، وسخرت كل إمكاناتها لخدمة هذا الهدف، وأنها تقود قطاع الطاقة برمته، وليست حكرا على الطاقة الأحفورية، وستبقى صمام أمان يخدم المنتجين والمستهلكين فعلا لا قولا، والمخرجات تشهد بذلك.