الابتكارات النوعية لخدمة ذوي الهمم
تشكل الابتكارات النوعية والتقنيات التكنولوجية المتطورة أدوات مهمة وضرورية لتحقيق التنمية الشاملة بشكل عام، وتحقيق متطلبات المجتمعات بجميع فئاتها المختلفة، خصوصا فئة ذوي الهمم التي تعد جزءا لا يتجزأ من هذه المجتمعات، وهذه الفئة تم تصنيفها من منظمة الصحة العالمية، حسب التصنيف الدولي للأداء الوظيفي والصحة، على أنهم الأشخاص الذين يعانون أي شكل من أشكال الإعاقات الصحية سواء كانت بدنية أو ذهنية، التي تؤثر في نشاطهم ومشاركتهم في المجتمع، وتشمل أصحاب الاحتياجات الخاصة سواء كانوا فئة المكفوفين أو الذين يعانون مشكلات السمع أو الذين لديهم مشكلات صحية تشمل حالات الاضطراب والتوحد، وكذلك الإعاقة الجسدية بأنواعها وغيرها.
حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة، يوجد أكثر من مليار شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة على مستوى العالم، أي ما يقارب نحو 15 في المائة من عدد سكان العالم الذي يقدر بثمانية مليارات نسمة تقريبا، ولعل النسبة العظمى توجد في الدول النامية حيث تقدر نسبتهم بنحو 80 في المائة. وتشير الإحصائيات أيضا إلى أن هناك أكثر من نحو 100 مليون طفل في العالم هم من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن المحتمل استمرارية الزيادة في هذه النسب مع مرور الزمن، وذلك بسبب عدة عوامل، منها: زيادة الحوادث المرورية، وسوء الأنظمة الغذائية غير الصحية والكوارث الطبيعية، إضافة إلى عديد من العوامل الأخرى. ولأهمية هذا الموضوع، سيتم الحديث عن أهمية الابتكارات النوعية لتوفير حلول تقنية مبتكرة تسمح لهذه الفئة بالعيش بشكل طبيعي ومستقل وتسهم في إزالة المعوقات التي تواجههم والأثر الإيجابي الذي تتركه في حياتهم بمساعدتهم على تحقيق استقلاليتهم ومشاركتهم في جميع نواحي المجتمع، بل تمكنهم من توظيف طاقاتهم فيما هو إيجابي في تحقيق التقدم والتنمية المستدامة لهم ولمجتمعاتهم.
أدرك كثير من الدول مسؤوليتها حول فئة ذوي الهمم في توفير الدعم اللازم لهم للعيش بشكل طبيعي ومستقل من خلال إيجاد وتطوير حلول ابتكارية تقنية تمكنهم من التمتع بحياة مستقلة ومنتجة، والمشاركة في التعليم وسوق العمل والحياة المدنية بشكل عام، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، ما قامت به بعض الدول مثل جمهورية الصين الشعبية من تطوير بعض الأنظمة، مثل نظام التحكم في الأفكار الذي يستخدم الإشارات الكهربائية من المخ للتحكم في المعدات المساعدة للأطراف الصناعية. وفي الولايات المتحدة، أطلق عديد من المبادرات بهدف تحسين وتطوير وضع الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال التركيز على إيجاد تقنيات جديدة تؤدي إلى مساعدتهم، مثل تقنية العصا الذكية المرتبطة بخرائط موقع جوجل، ولها القدرة على تحديد المعوقات من جميع الاتجاهات، ويمكنها مساعدة الأشخاص المكفوفين للتجول والانتقال من مكان إلى آخر. وكذلك تقنية النظارات الذكية المسماة أيرا التي تستخدم بوساطة الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، وتصف المشاهد والمناظر بطريقة تقنية مبتكرة. ومن التقنيات الابتكارية أيضا الساعات اليدوية التي تقوم بتحويل الرسائل النصية إلى لغة برايل التي يستخدمها المكفوفين، وهناك بعض التطبيقات التقنية الذكية المبتكرة التي تخدم الأشخاص الصم والذين لديهم مشكلات في السمع والتي من خلالها يتم تحويل الكلام إلى نصوص، وبالتالي تمكنهم من معرفة ما يقال حولهم، وهناك عديد من الأمثلة من الابتكارات التي تساعد ذوي الإعاقة البدنية مثل الأطراف الصناعية الإلكترونية وغيرها.
وفي السعودية، اهتمت الدولة بتوفير الحياة الكريمة لجميع أطياف المجتمع بمختلف طبقاته بمن فيهم فئة ذوي الهمم، وذلك من خلال وضع التشريعات والتنظيمات واللوائح التي تعزز لهذه الفئة وتضمن لهم العدل والمساواة وعدم التمييز، وتضمن كذلك لهم الحقوق والرعاية الصحية والاجتماعية، ومن خلال رؤية المملكة 2030 التي اشتملت على عديد من المبادرات لدعم هذه الفئة وتمكنهم من تحقيق طموحاتهم نحو مستقبل زاهر وجودة حياة عالية لهم. كما يظهر هذا الاهتمام من خلال إنشاء هيئة خاصة لرعاية هؤلاء الأشخاص، وإنشاء عديد من الجمعيات ومراكز التأهيل الاجتماعية والمهنية والمراكز المتخصصة لهم، ومن خلال إتاحة وتوفير فرص التعليم، سواء العام أو العالي لتحقيق مبدأ تساوي الفرص التعليمية للجميع. كما أسست مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة، لدعم وتمويل الأنشطة البحثية والأكاديمية وتشجيع المبادرات البحثية الخاصة في هذا المجال المهم، إضافة إلى التشجيع والتحفيز من خلال المسابقات والجوائز الوطنية والدولية، مثل جائزة الملك سلمان العالمية لأبحاث الإعاقة، ولمست أثر هذه الجهود التي يبذلها عديد من الجهات الحكومية من هيئات ومراكز بحثية وجامعات وغيرها، من خلال مشاركتي في تقييم عديد من الابتكارات والأبحاث والمشاريع والجوائز، مثل جائزة منطقة حائل للابتكار العام الماضي، وبرامج موهبة الإثرائي للبحث والابتكار الذي أقيم أخيرا بالتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار والمشاريع البحثية والتطويرية لبعض الجامعات وغيرها، التي من خلالها تم استعراض كثير من الأبحاث والابتكارات التقنية الواعدة، التي أرى أن يتم العمل على استقطابها وتبنيها بآلية واضحة وربطها مع الجهات الاستثمارية لتعود كحلول ابتكارية محلية مبتكرة لخدمة ذوي الهمم، ومن خلال ذلك يتم توطين عديد من هذه التقنيات وتحقيق تنمية اقتصادية وطنية مستدامة.