عراب الاقتصاد المؤسساتي
هناك اختلاف نوعي بين النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية، الأول تشترك فيه الدول النامية والمتقدمة، بينما التنمية تحدٍ نوعي للدول النامية. لذلك أغلب التحديات والأدبيات الاقتصادية تتعامل مع النمو الاقتصادي، لكن هناك عدد من الاقتصاديين تعامل مع تحديات التنمية. أحد هؤلاء دوجلاس نورث، الذي اهتم بالجانب المؤسسي لتفسير الحالة التنموية، وتقديم حلول وسياسات للنهضة في الدول النامية. ولد نورث في كامبريدج في ولاية ماساتشوستس في 1920 لأب صحافي وكاتب ومدير تنفيذي لشركة تأمين معروف، زرع في الابن حب الاستطلاع الذي قاده إلى دراسة الاقتصاد والفلسفة والسياسة في آن واحد، ومن ثم دكتوراه في الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا بيركلي 1952. عمل في البحرية بعد الجامعة في أثناء الحرب الثانية، ما مكنه من قراءات موسعة في الاقتصاد وتاريخه ليركز اهتمامه لاحقا على التاريخ الاقتصادي. تنقل للتدريس من جامعة واشنطن في سياتل، ومن ثم جامعة واشنطن سانت لويس، إلى رايس إلى ستافورد وكامبريدج. دراسة التاريخ الاقتصادي قادته إلى التساؤل حول طبيعة التنمية ولماذا تنجح أمم وتتعثر أخرى. وجد ضالته في الاختلاف المؤسساتي للمجتمعات.
ركز أبحاثه وكتبه على التداخل بين النظرية الاقتصادية والتنمية الاقتصادية والتحول الاجتماعي. في 1981 نشر ربما أهم كتبه "التغير الهيكلي في الاقتصاد والتاريخ الاقتصادي -Structure and Change in Economic History". يشرح نورث، الدور الحاسم للمؤسسات في تحقيق الأهداف الاقتصادية من خلال إدارة منظومة الحوافز للأفراد والشركات والتنظيمات الأخرى في المجتمع. مفهوم نورث للمؤسسات، ليس كما يعرفها الأغلبية، أنها وزارات أو إدارات حكومية رقابية أو حتى شركات، إنما هي المنافسة والجدارة والشفافية والعدالة والحوافز التي تقود إلى الإنتاج والفاعلية، بينما يعرف الأفراد والشركات والإدارات العامة والمنظمات غير الربحية بأنهم اللاعبون. ركيزة أخرى في طرح نورث كانت عما يسميه "الطريق المعتاد" -ظاهرة تعامل معها في كتابه الذي نشر 1990 "Institutions Institutional Change،and Economic Performance- المؤسسات، التغير المؤسساتي، والأداء الاقتصادي". يجادل بأن التطورات التاريخية والحالة الأولية الراهنة للمجتمع تؤثر بقوة في مسيرته الاقتصادية. هذه الفكرة جاءت تحديا للنظرية الكلاسيكية في الاقتصاد بأن الإنسان يتصرف عقلانيا دائما، لكن نورث يقول إن الطريق المعتاد للمجتمع يشكل تصرفات اللاعبين أفرادا أو شركات في المجتمع. لاحقا طور فكرة "كثافة المؤسسات" التي قصد بها مدى كفاءة المجتمع في فاعلية المؤسسات وحماية الحقوق وتسهيل الأعمال، خاصة بتقليص تكاليف الصفقات.
لم يكن نورث أول من اهتم وناقش دور المؤسسات، لكنه استطاع تحقيق اختراق جديد استحق به جائزة نوبل في الاقتصاد في 1993. استفاد كثيرا من أفكار وأبحاث كوس ووليمسون في دور المؤسسات. أسس معهما أول جمعية للاقتصاد المؤسسي التي اهتمت بالحقوق الخاصة، وتكلفة صفقات البيع والشراء والتنمية في الدول النامية. عمل مستشارا لدول عدة. أنجب ثلاثة أولاد من زواجه الأول الذي انتهى بالطلاق، وتزوج مرة أخرى. عاش آخر أعوامه في مدينة صغيرة في ولاية ميشيجان، إلى أن توفي بالسرطان في 2015.