بامول .. اقتصادي المبادرات

مادة الاقتصاد في الأخير النمو والتجديد، دونها يتوقف اقتصاد أي دولة بعد مدة معتبرة، حسب الظروف الاجتماعية ذات العلاقة الأخرى. في هذه السلسلة تحدثت عن اقتصاديين في نواح كثيرة، نظرية وعملية. المبادرات في الأعمال، والخاصة منها بالذات، تشكل ينبوع النمو وتميز اقتصادا عن آخر، لأنها ترمز للفرص الممكنة والثقة بالاقتصاد وسهولة تطوير الأعمال نظاميا ومعلوماتيا. اهتم كثير من الاقتصاديين بهذا الجانب، لكن برز اسم الأمريكي وليام باومل William Baumol. وُلد باومل في مدينه نيويورك لأبوين من أوروبا الشرقية في 1922. اهتم بقراءة ماركس، ما جعل لديه وعيا مجتمعيا مبكرا. درس في كلية ستي في نيويورك، ثم في كلية لندن للاقتصاد والسياسة، وشارك في الحرب العالمية الثانية، وبدأ حياته الأكاديمية في جامعة برنستون في 1949، وبقي فيها حتى 1971، لينتقل إلى جامعة نيويورك، ويستمر حتى تقاعد في 2014.
مساهماته أيضا امتدت للاقتصاد الإداري والإبداع. كذلك عرف عنه بعض الملاحظات العميقة، مثل ما عرف بـ "مرض التكلفة"، فمثلا بعض المنتجات لا تتغير، لكنها ترتفع في التكلفة، فمثلا معزوفة لبتهوفن لم تتغير تكلفة إنتاجها المباشر منذ أن بدأت قبل نحو قرنين، لكن مطالب الملحن المتمكن تغيرت مع الزمن، ما يرفع أجره، وبالتالي ترتفع التكلفة العامة، رغم أن الإنتاجية لم ترتفع. وهكذا لعدة مهن تعتمد في الأساس على المهنية الفردية، في اختلاف عن الماديات المباشرة. وظف هذه الفكرة في التعامل مع برنامج إدارة كلينتون للصحة العامة، لأن الشكوى العامة بأن تكلفة الخدمات الصحية دائما في ارتفاع، وأن أي سياسة عامة لا بد أن تتحكم في ارتفاع التكاليف، خاصة كمطلب شعبي. لذلك كان يحذر من التلاعب في سلم التكاليف، لأنها متداخلة بشكل سيؤثر في جودة الخدمات، والعلاقة بين أجزائها. ربما أهم مساهماته كانت عن دور المبادرات في النمو الاقتصادي، إذ يقول إن النمو لا يحدث بسبب تراكم عوامل الإنتاج فقط كرأس المال، والمواد، والإطار الإداري فقط، لكن من خلال مزج إنتاجي يحكمه الإبداع والإنتاجية والتجريب بغرض الربحية. يتلخص النموذج الذي قدمه عن المبادرات في عدة نقاط رئيسة: الأولى، أن الحالة المؤسساتية للاقتصاد تحدد بيئة المبادرات، إذ إن الحوافز الضمنية والظاهرة هي ما يبعث على فرص المبادرات وتشجيعها. الثانية، توافر رأس المال الجريء والأفراد الماهرين ومستوى التقنية في المجتمع. الثالثة، هناك عوامل تنظيمية لا بد أن تكون مؤاتية، مثل سياسة الضرائب، والمتطلبات الرقابية والتنظيمية، وسهولة وسلالة القضاء، خاصة في حماية الحقوق. توافر هذه العوامل يسهل توافر منتجات وخدمات جديدة وموت أخرى وبدايات جديدة باستمرار.
ألّف باومل، نحو عشرة كتب وعشرات الأبحاث، وكثيرا من المقالات في حياة حافلة أكاديميا. عرف عنه تعدد الأفكار في مجالات اقتصادية تفصيلية مختلفة، لذلك سأله أحد زملائه الاقتصاديين، كيف تأتي الأفكار إليه؟ فكان رده أنه يحاول دائما البحث عن نظرية لتفسير الحالات البشرية والمجتمعية، وعادة يكون محظوظا ويكون خطاء تماما، حينها يبدأ يجد التفسير المناسب للظاهرة! كان مرشح لجائزة نوبل في الاقتصاد أكثر من مرة، لكن لم يفز بها. قابل زوجته في أثناء دراسته الجامعية، وتوفي في 2017 عن 95 عاما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي