نظرة على الممر الأخضر

عندما تتقاطع المصالح الاقتصادية والسياسية يصبح التكامل الاقتصادي أداة جيوسياسية فعالة. مذكرة التفاهم التي أعلنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هي خطوة مهمة في تحقيق التكامل الاقتصادي بين الكتل الاقتصادية الأهم في العالم.
إذا ما تأملنا مذكرة التفاهم للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا IMEC نجد أنها ليست مجرد وثيقة تعاون اقتصادي تقليدي، بل هي إشارة إلى تحولات اقتصادية كبرى مرتقبة، ولا سيما في مجال الهيدروجين والطاقة الجديدة ونقل البيانات. بمعنى آخر، نحن أمام جيل جديد من السلع ويحتاج إلى قدرات ومشاريع جديدة.
في هذا السياق، دول الخليج تدرك أنها تقع في قلب العالم وبين القوتين الاقتصاديتين الهند وأوروبا، ولهذا التوجه نحو تكثيف التعاون مع الكتلتين يؤكد الرغبة في تحقيق استقرار إقليمي دولي واسع ومعزز بنظرة اقتصادية استراتيجية متجذرة وعابرة للحدود والمصالح الثنائية إلى الإقليمية الاقتصادية، التي تمثل براجماتية اقتصادية صلبة لجميع الأطراف المشاركة في الممر الهندي الخليجي العابر من خلال الشرق الأوسط إلى أوروبا.
بالنظرة إلى الأبعاد الاقتصادية المباشرة، سنرى نموا للتبادل التجاري بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والتأثير الأهم للممر أنه سيكون داعما حقيقيا لميزان المدفوعات لكل الدول التي سيمر بها، ومحفزا للتجارة الداخلية من حيث نموها وخفض تكلفة النقل وجذب الأموال الخضراء الأجنبية، لكن الحقيقة الأعمق أنه ليس مجرد تبادل سلعي، بل تعاون نوعي في مجال الجيل الأحدث من التجارة، أي التجارة التي تتجه نحو الابتكارات والخدمات الرقمية بفضل التحسين المستمر في البنية التحتية العالمية والاستثمار في قطاعات حيوية مثل تكنولوجيا الطاقة المتجددة.
أما في نظرتنا الاستشرافية للمستقبل، فهذا التعاون سيحفز نمو الاقتصادات المحلية للدول المشاركة، ويسهم في زيادة معدل نمو الاقتصاد العالمي من خلال مسارات جديدة تعتمد على المساهمة المباشرة في تحسين البنية التحتية العالمية والاستثمار PGII، كما أن هذا التكامل الاقتصادي يوفر أمانا أكبر لسلاسل الإمداد، وبالتالي سيجعل من المنطقة وجهة مغرية للمستثمرين. من الجدير بالملاحظة في مقال اليوم، أن الاهتمام بالبيئة ظاهر بوضوح، فالممر الاقتصادي IMEC يقلل من الانبعاثات الملوثة بسبب طبيعته الخضراء.
التجارة بين القطبين الهندي والأوروبي تمثل فرصة للمملكة لتقدم خدماتها اللوجستية، وفي الوقت نفسه هناك عائد اقتصادي ضخم من خلال تحويل الشرق الأوسط إلى مركز لوجستي عالمي، ومن انعكاساته المباشرة كذلك تقليل معدل البطالة الهيكلية في المنطقة، وإضافة فرص وظيفية نوعية لمواطني الدول المشاركة في الممر، كما أنه يؤدي إلى الزيادة التنافسية النسبية، واستقرار الأسواق، ويدعم نمو قطاعات جديدة.
أخيرا، بالإشارة إلى الهيدروجين وكابلات نقل البيانات الموثوقة والطاقة المتجددة فهي ليست تجارة تقليدية، كما يعتقد كثير من المراقبين، بأن الممر سيكون منافسا للممرات القديمة، بل يمثل الممر الجيل الجديد في نقل السلع الخضراء للعالم، ومن الملائم أن نسميه الخط الأخضر Green line

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي