معايير الاستثمار في الأسواق المالية

هناك أساسيات لتفضيل سوق عن أخرى، تشمل هذه الأساسيات جوانب عدة، منها المالي وما يتعلق بالقوائم المالية للشركات، ومنها ما يتعلق بالقطاعات ومدى إيجابيتها وتأثيرها على الجانب المالي للشركات، وأساسيات أخرى تتعلق بعموم الاقتصاد لوضع الدولة بشكل عام من حيث قوة العملة والناتج المحلي الإجمالي لها، ومدى سلامة وتحسن الأنظمة والتشريعات ومواءمتها للاستثمار وغير ذلك، يضاف إلى تلك الأساسيات الاستقرار السياسي والأمني. هذه الأساسيات تعد المرحلة الأولى لاستقطاب المستثمرين وجذب استثماراتهم لأي سوق، وبالتالي فأي سوق تتعثر في أحد هذه الجوانب التي تعد أساسية للبيئة الاستثمارية تبدأ الأموال المستثمرة فيها بالتخارج، فضلا عن كونها قد تصبح غير جاذبة لأي سيولة جديدة أخرى.
بالنظر للسوق السعودية، فهي تملك كل الأساسيات السابق ذكرها، فضلا عن أنها قد تكون الأفضل في جوانب عدة منها، وهي في المقام الأول ما يهم المستثمرين، فبدءا من الجوانب المالية للشركات القيادية، ومرورا بحالة الاقتصاد، وانتهاء بالاستقرار السياسي والأمني، تعد المملكة متفوقة في كثير مما سبق. والدليل على ذلك، فمن حيث النمو تعد المملكة من أكبر دول مجموعة العشرين نموا خلال العام الماضي 2022 بنسبة تجاوزت 8.7 في المائة، ومن حيث نسبة التضخم تعد حاليا من بين الدول الأقل نسبة بين دول المجموعة بنسبة تقل عن 2.5 في المائة. ولو نظرنا لنسبة الدين العام لوجدناه كذلك الأقل نسبة بين دول مجموعة العشرين، حيث لا تتجاوز نسبة الدين العام 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بل إن 70 في المائة من الدين العام يعود إلى جهات داخلية، ما يعني توافر السيولة المحلية، وربما يكون الدين الخارجي ليس إلا من باب تنويع المصادر. وشهدت معظم الأرقام المتعلقة باقتصاد المملكة في العام الماضي قفزات كبيرة، بل حققت مستويات تاريخية لم تشهدها منذ بدء إعلان الميزانية للمرة الأولى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد تجاوز الناتج المحلي الإجمالي لها في العام الماضي حاجز تريليون دولار للمرة الأولى في تاريخها.
من جانب آخر، ورغم ما تمر به الأسواق العالمية المالية من تراجعات منذ مطلع العام الماضي، وخروج السيولة في كثير منها، فقد ارتفعت السيولة المتدفقة للسوق المحلية منذ بداية العام الجاري بنسبة 8 في المائة متجاوزة 370 مليار ريال. كل هذه التدفقات ليست إلا شاهدا على متانة الاقتصاد ووضوح الرؤية المستقبلية له من قبل المستثمرين الدوليين، ما يعكس أسباب دخولهم السوق السعودية بشكل متزايد. وعلى الرغم مما سبق إلا أنه يقع على عاتق المستثمر لكي ينجح بعد التحقق من كل الأساسيات، اختيار القطاعات المناسبة، وتحديد الشركات التي يتوقع لها نموا في المستقبل. وهنا قد تختلف المعايير بين مستثمر وآخر، حسب الخبرة والأهداف التي يرغبها كل منهم، ومدى تقبل المخاطر.
فالمستثمر من شأنه النظر على المدى البعيد، وعدم المبالاة في التقلبات اليومية التي تشهدها السوق طالما بقيت الأساسيات إيجابية، فمستهدفاته الزمنية لا تقل عن عدة أعوام، فهو لا يشعر بالذعر الذي ينتاب المتداولين عند أي تراجعات، بل ربما يحولها إلى موسم يصطاد فيه الشركات التي تهبط لمستويات مغرية بالنسبة له، بينما المضارب تجذبه التقلبات أكثر من غيره، حيث يبحث عن التذبذبات السعرية، فسوقنا المحلية رغم التقلبات الحالية وربما حتى المستقبلية -إن حدثت- لا تزال تعد سوقا جاذبة للاستثمار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي