المبادرات والمنح البحثية إلى أين؟

أصبح واضحا جليا لدى كثيرين أن قطاع البحث والتطوير والابتكار يعد من الدعائم المهمة والقوية لأي اقتصاد يبنى على التجديد والاستدامة، حيث يتم من خلال هذا القطاع المهم بناء عديد من المعارف المتجددة وصنع مختلف الصناعات والتقنيات الابتكارية المتنوعة والكفيلة بأن تسهم في تعزيز التنافسية والريادة في شتى المجالات سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو أمنية دفاعية أو كل ذلك معا، إذا ما تم بناء هذا القطاع بأسس وآليات ولوائح وأنظمة متقنة، ودعم ذلك أيضا بالباحثين والعلماء والمهندسين المبدعين والمميزين وتشجيعهم من خلال طرح المنح والمبادرات المبنية على توجه وفكر واضح وخطط استراتيجية مدروسة ومحكمة.
وفي هذا المقال سأتطرق للمنح البحثية ودورها وأثرها في دعم البحث والتطوير والابتكار مع ذكر بعض الأمثلة لذلك بشكل عام.
في السعودية، هناك اهتمام كبير جدا بقطاع ومجالات البحث والتطوير والابتكار، وسبق أن تحدثت عن ذلك في مقالات سابقة، وأن الدولة تسعى لتطوير هذا القطاع بشكل كبير جدا لتعزيز مكانتها الاقتصادية وتنافسيتها العالمية، وذلك من خلال إعادة تنظيمه وهيكلته بما يضمن استدامته وتطور نموه وازدهاره. لذا شكلت له لجنة عليا برئاسة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، للإشراف والمتابعة، وهيئة متخصصة لهذا القطاع تحت مسمى هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، لتعمل على تطوير البرامج والمبادرات والمنح البحثية، وكمشرع داعم لهذا المجال بشكل مباشر، وكل ذلك يتركز على أهداف تكمن في تحقيق مستوى عال من الريادة بين دول العالم في مجال البحث والتطوير والابتكار، وجعلت له أولويات وطنية شملت الصحة واستدامة البيئة والاحتياجات الأساسية، وقطاع الطاقة والصناعة، وقطاع اقتصادات المستقبل، ووضعت لذلك أيضا مستهدفات مستقبلية، لتحقيق التطلعات الوطنية في ذلك ومستهدفات الرؤية 2030. ففي 2040، يتوقع أن يصل إجمالي الإنفاق السنوي على هذا القطاع 2.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، الذي يتوقع أن يسهم ذلك في تنمية وتنوع الاقتصاد الوطني وبناء مستقبل واعد قائم ومبني على المعرفة ومستدام، من خلال إضافة 60 مليار ريال متوقعة إلى الناتج المحلي الإجمالي في العام نفسه.
هنالك كثير من المبادرات والمنح البحثية التي تهدف إلى تشجيع الباحثين والعلماء المتميزين سواء في القطاع التعليمي الجامعي أو في قطاع المستشفيات أو في المراكز البحثية أو في الشركات أو المؤسسات أو الوزارات أو الهيئات أو المدن الصناعية وغيرها، وهناك أمثلة متعددة ومختلفة من حيث التخصصات في هذا السياق، ومن ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- ما تطلقه الجامعات السعودية الحكومية أو الخاصة من مبادرات ومنح بحثية من خلال عماداتها البحثية في مختلف التخصصات. قبل أسابيع دعيت لأكون ضمن عدد من المحكمين المختارين لتقييم وتحكيم مجموعة من المشاريع والأبحاث المختلفة التي تم تقديمها لبرنامج تمويل الأبحاث لعام 2023، أطلقته عمادة البحث العلمي بجامعة تبوك، ويشمل كثيرا من التخصصات الفنية والتقنية، ومن الأمثلة أيضا، المنح البحثية التي تقدمها جامعة الأميرة نورة من خلال إدارة المنح البحثية لديها والمتخصصة في الأبحاث والدراسات الصحية وبرنامج المجموعات البحثية، وكذلك منح جامعة الملك عبدالعزيز من خلال البرامج البحثية لديها الداخلية والخارجية وبرنامج التميز المعرفي والمجموعات البحثية، وأيضا المنح البحثية التي تقدمها وتدعمها جامعة الملك سعود، ومن ذلك أيضا المنح البحثية التشجيعية كتلك التي تقدمها بعض الجامعات، مثل جامعة القصيم لمنسوبيها في التنمية المستدامة وفي الأبحاث التطبيقية والدفاعية، والمنح البحثية التي يقدمها بعض المراكز التطويرية والمتخصصة، مثل مركز الأمير سلطان للدراسات والبحوث الدفاعية، والمنح التي يقدمها مركز الأبحاث في مستشفى الملك فيصل التخصصي، ومركز الخدمات البحثية في مدينة الملك فهد الطبية، وما أطلقته أخيرا هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار من عديد من المبادرات البحثية التي تشمل عديدا من المجالات المرتكزة والقائمة على الأولويات الوطنية الأربع التي سبق ذكرها وغير ذلك كثير. كل هذه البرامج والمبادرات والمنح البحثية بمختلف تصنيفاتها ومجالاتها وتخصصاتها تهدف إلى دعم الأبحاث العلمية الرائدة، وتشجيع العلم والعلماء والباحثين المميزين، ولعل كثيرا منها يتم تحويله من مجرد أبحاث منشورة إلى واقع ملموس ومنتجات ذات قيمة تسهم في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة.
أرى أن مستقبل هذه المبادرات والأبحاث يعتمد على مدى التعاون بين الجهات والقطاعات والهيئات فيما بينها، سواء كانت تلك المستفيدة أو المانحة أو الممولة للبحث والتطوير والابتكار، وضرورة أن تتم حوكمة هذا التعاون، حيث تكمن أهمية ذلك في أن هذه المبادرات والمنح البحثية ستتم بنجاح بعد وضع منهجية منظمة لها بخطط استراتيجية واضحة، وستشتمل على أهداف ومؤشرات قياس واضحة تتوافق مع الركائز والمستهدفات الوطنية ومواءمة الاحتياجات الفعلية والضرورية الحالية أو المستقبلية، وبمشاركة فاعلة من جميع القطاعات والجهات والهيئات ذات العلاقة سواء كانت مدنية أو عسكرية دفاعية أو صناعية، وذلك أيضا سيعزز العمل على تنفيذها كمخرجات ومنتجات ذات نوعيات ابتكارية بأياد وطنية وذات قيمة مضافة، نستطيع من خلالها تحقيق تطلعات الوطن وقيادته في الريادة والتنافسية، ورفع مستوى جودة الحياة اجتماعيا واقتصاديا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي