عراب التدمير الخلاق
المنافسة ربما أهم مؤسسة اقتصادية، إذا أخذنا بالاقتصاد المؤسسي. كثير من الاقتصاديين درسوا المنافسة كأحد المحركات الاقتصادية، لكن سشومبتر Schumpeter عرفها من عدسة أوسع، وللحق أيضا فإن طرحه لا يقتصر على المنافسة فقط. جوزيف سشومبتر ألماني الأصل والثقافة، لكنه ولد في مدينة ترشيك في التشيك، حيث تسكن أقلية ألمانية في 1883. تعلم الاقتصاد والقانون في جامعة فيينا. ولد لعائلة غنية، حيث والده من ملاك المصانع. كان متوقعا منه الاهتمام بأعمال العائلة لكن غريزته العلمية وحبه للقراءة من سن مبكرة غلبتا، حيث حصل على الدكتوراه في 1906 في الاقتصاد، لكنه أيضا درس القانون، ما جعل اهتمامه في التقاطع بينهما.
في بداية حياته الأكاديمية اهتم بالمصارف ودورها في الاقتصاد، حيث نشر كتابه الأول "نظرية التنمية الاقتصادية" في 1911 الذي أسس لاهتمامه لاحقا بالمبادرات والإبداع. في الكتاب قدم فكرته التي لا يزال يذكر بها creative destruction "التدمير الخلاق"، حيث من خلال الإبداع والمنافسة تظهر صناعات جديدة تحل مكان القديمة، وبالتالي فإن هذه العملية تقود إلى التجديد في أعمال أخرى مختلفة والنمو الاقتصادي المتواصل برفع الإنتاجية. هذا المصطلح ما زال يوظف بكثرة للتعبير عن آلية نظام اقتصاد السوق وطبيعة المنافسة فيه. طور الموضوع لاحقا في أهم كتبه "الرأسمالية، الاشتراكية، والديمقراطية" في 1942، فيقول "إن الرأسمالية ستستبدل بالاشتراكية في الأخير، ليس بسبب الطبقية لكن بسبب نضج الرأسمالية، لأن روح المبادرة تآكلت، حيث يحل مكان المبادر الموظف البيروقراطي، ما يقود إلى ضعف في الإبداع والإنتاجية وتضعف المنافسة الصحية". لم يقتصر دوره على الجانب الأكاديمي فقد أصبح وزير المالية في النمسا 1919 - 20 حيث أسهم في استقرار الاقتصاد من خلال سياسات إبداعية بعد الحرب الأولى، وأسس البنك المركزي وعملة جديدة. في 1932 هاجر إلى أمريكا ليصبح أستاذ الاقتصاد في "هارفارد"، حيث صرف معظم حياته للتدريس والبحث، إذ أصبح متميزا وعرف عنه إبداعه وكفاءته، ما أكسبه احترام الكثير.
لم تنقطع زيارته للنمسا بما في ذلك محاضرات في جامعات كثيرة، إذ لم يتردد في إسداء آرائه الاقتصادية والسياسية. كان معاصرا لكينز، حيث ولدا في العام نفسه. اختلفا في الطرح، حيث سشموبيتر من المدرسة النمساوية التي تركز على معادلة الإنتاج، بينما كينز يركز على دور الحكومة في المعالجة الاقتصادية. قال عن كينز: "إن ما كتبه كينز عن المال والمصارف أهم مما كتب هو"، بينما كينز يقول "إنه من أفضل الاقتصاديين ويحترمه كثيرا لواقعيته وإبداعه". الاختلاف بينهما ما زال على الأقل في بعض الجوانب المهمة يشكل الطرح الاقتصادي اليوم، إذ إن التجاذب في السياسات لا يكاد يخرج عن طرحهما. حاز جوائز عدة وأصبح رئيسا لجمعية الاقتصاديين الأمريكية. ربما بسبب الثروة المبكرة كان عاشقا للفن والموسيقى، حيث قابل عازفة أمريكية وتزوجها في 1907 واستفاد من علاقاتها في الدوائر الفنية في أمريكا، حيث ظهر اهتمامه خاصة بالمسرح والأوبرا. خلفا ابنة وولدا، توفيت البنت في عمر الـ20، ما جلب خلافا مع الابن وطلاق الزوجة. توفي في أمريكا في 1950.