كوكب الشركات
يعيش البشر حاليا في عصر استثنائي لم يتكرر في أي عصر ماض.
يمكنني تقديم 100 دليـل على تفرده واستثنائيته، بـدءا من الكهرباء والإنترنت، وانتهاء بالذكاء الاصطناعي والسيارات الطائرة.
حتى المجاعات التي كانت تأتي قديما بشكل دوري، اختفت حاليا، وأصبحت مشكلة العالم "ليست في الجوع وشح الطعام" بل في البدانة والتخمة وإهدار الغذاء.
لكن، بما أنك تقرأ هذا المقال في صحيفة "الاقتصادية"، سأركز حديثي على الشركات ككيان تنظيمي لم يكن معروفا في الحضارات القديمة. فكما نعرف "الشركة" بأنها كيان اقتصادي، وتنظيم قانوني، واتحاد تجاري يهدف إلى إنتاج سلعة أو خدمة معينة على نطاق واسع.
اليوم تجاوزت كثير من الشركات أهدافها التجارية، وأصبحت تملك تأثيرا قويا في السياسة والاقتصاد ومقدرات العـيش ـ حتى عقول الناس وتوجه المجتمعات.
بلغت من الضخامة حـد أن شركات مثـل أبل ومايكروسوفت وأرامكو وأمازون، تجاوزت قيمتها السوقية الناتج المحلي لمعظم دول العالم. فالقيمة السوقية لشركة أبل مثلا تفوق الناتج المحلي للمكسيك بـ"2، 1×" ولروسيا بـ"1، 5×" ولكـندا بـ"1، 4×" ولإندونيسيا ذات الـ300 مليون إنسان بـ"2، 1×".
حين تتأمل واقع الاقتصاد الأمريكي "الأكبر عالميا" تكتشف أنه ببساطة نتاج مجموع الشركات العملاقة فيه. والأمر نفسه يمكنك ملاحظته حين تقارن وزن شركة سامسونج في كوريا، وفيليبس في هولندا، وتويوتا في اليابان، وأرامـكو في السعودية ـ وهذه الأخيرة تعد حاليا ثالث أكبر شركة في العالم وتفوق قيمتها السوقية الناتج المحلي للإمارات بـ"4، 5×".
أما حين يتعلق الأمر بالقرارات السياسية، فلا يخفى على أحد تأثير الشركات العملاقة في الانتخابات والأحزاب السياسية في أكثر الدول ديمقراطية. فهي تعمل من خلف الستار على شراء الناخبين، ودعـم المرشحين، وصنع مجموعات الضغط، وفضح أي سياسي يهدد مصالحها. حين غزت أمريكا العراق 2003 اكتشف العالم سريعا أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، وأن السبب الحقيقي هـو ضغـوط شركات الأسلحة والنفط والتمويل العسكري التي تحقق مبيعات عالية في الحروب التي تخوضها أمريكا.
وحين نغادر عالم السياسة إلى عالم الغذاء نكتشف أن هناك 11 شركة عابرة للقارات تتحكم بـ82 في المائة من الغذاء المصنع في العالم كله، أبرزها نستله وبيبسكو وكرافت وكلوقـز وجنرال ميلز.
الأمر نفسه ينطبق على قطاعات الأدوية والطاقة وصناعة الرقائق وأغذية الأطفال وبيانات المستخدمين "... إلـخ" التي تخضع كلها لعدد محدود من الشركات متعددة الجنسيات. تأمل بنفسك السلع والخدمات كافة التي تستخدمها في حياتك، لتكتشف أنها تقدم من قبل "شـركات" إما مستقلة وإما تنوب عن شركات عالمية أكثر ضخامة تدير الكوكب بأكمله.