البيئة وتقنيات الاستشعار الذكية «1من 2»
يمكننا أن نعرف البيئة بأنها الوسط، أو الإطار الذي نعيش فيه، ويؤثر فينا ويتأثر بنا، كما تعرف البيئة بأنها مجموعة الظروف والعوامل الطبيعية التي تحيط بجميع الكائنات الحية وتؤثر عليها وتتأثر بها. وتلعب البيئة دورا حاسما في دعم الحياة ويعد الحفاظ عليها أمرا ضروريا لعدة أسباب منها، توفر الهواء النقي والمياه العذبة والطعام والمأوى فيها، وهذه ما تحتاجها جميع الكائنات الحية للبقاء على قيد الحياة كعوامل أساسية لذلك، كما أنها تحتوي على مصادر طبيعية مثل النفط والغاز والفحم والمعادن والأخشاب.
وهذه الموارد ضرورية لتلبية احتياجات الإنسان بشكل خاص في مجموعة متنوعة من الصناعات والاستخدامات المتعددة، ولعل التطور الحضاري السريع الذي يشهده عالمنا اليوم والاستخدام السيئ للموارد الطبيعية لتحقيق ذلك أدى إلى ظهور كثير من الأخطار والكوارث التي نشاهد أثرها اليوم، من ذلك كثرت الزلازل والفيضانات والاحتباس الحراري، وما يتخلله من انبعاث للغازات وجفاف وندرة المياه في بعض دول العالم وارتفاع نسبة التلوث وغير ذلك، ما يؤدي إلى الإضرار بصحة الأفراد والمجتمعات، وذلك يؤدي بدوره إلى التأثير على معدلات الإنتاج المحلي بشكل سلبي، وبالتالي يمتد الأثر إلى المنظومة الاقتصادية وتعطل أنماط الحياة بأشكالها المختلفة. وتمثل تقنيات الاستشعار الذكية أحد الحلول النوعية المبتكرة التي من شأنها الحد والتخفيف من هذه الكوارث والأخطار والمساهمة في مراقبة وحماية البيئة بشكل عام.
حسب الإحصائيات المعلنة لمكتب منظمة الأمم المتحدة، يعيش أكثر من نصف سكان العالم في المدن، أي ما يقارب ثلاثة ونصف مليار نسمة، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 60 في المائة بحلول عام 2030، وتشغل مدن العالم نسبة 3 في المائة من مسطحات اليابسة، ولكنها تستهلك من 60 إلى 80 في المائة من الطاقة، وذلك يتسبب في 75 في المائة من انبعاثات الكربون واستخدام أكثر من 60 في المائة من الموارد الطبيعية، ولذلك فإن بناء القدرة الحضارية على الصمود لتجنب وقوع خسائر سواء كانت بشرية أو اجتماعية أو اقتصادية، أصبح أمرا ملزما وحاسما ومسؤولية كبيرة على الجميع، الأمر الذي يتطلب تعزيز الوعي بالقضايا البيئية، وتطوير التكنولوجيا البيئية، وتشجيع الممارسات المستدامة في جميع جوانب الحياة، بدءا من الزراعة وانتهاء بالصناعة واستهلاك الطاقة على سبيل المثال. كما يشمل إيجاد واستخدام حلول مبتكرة تسهم في بناء مدن أكثر ذكاء وأكثر استدامة لتحسين جودة الحياة، وجعل العمليات والخدمات الحضارية أكثر كفاءة لتعزيز قدرتها التنافسية، مع ضمان تلبيتها لاحتياجات الأجيال الحالية والقادمة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
هناك عديد من التجارب والمبادرات البيئية الدولية في مجال استدامة البيئة والحفاظ عليها في مختلف أنحاء العالم، من ذلك اتفاق باريس للمناخ الذي يعد أول اتفاق عالمي بهذا الخصوص تم توقيعه في عام 2015، ويهدف إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة (التي تشمل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز وغيرها وتسبب في الاحتباس الحراري)، والتحكم في ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ويعد تجربة دولية رئيسة في مجال مكافحة تغير المناخ، ومن ذلك تبني مكتب الأمم المتحدة مجموعة من الأهداف العالمية للتنمية المستدامة من أهمها المحافظة على البيئة، وكذلك الاتفاقية الدولية للتنوع البيولوجي، التي تهدف إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي في المياه البحرية، واستخدام عديد من الدول حول العالم الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الهجينة لتوليد الكهرباء، هذه التقنيات تقلل من الاعتماد على الوقود، وتعد وسيلة للحد من الانبعاثات الكربونية وتحقيق الاستدامة في قطاع الطاقة، وتوجد تجارب عالمية أخرى تهدف إلى الحفاظ على موارد المياه وتحسين إدارتها من خلال تطوير تقنيات استدامة الري وإعادة تدوير المياه، وغيرها، ما يؤكد أن هناك توجه عالمي نحو استخدام التقنيات الذكية للحفاظ على البيئة وتحسين الاستدامة البيئية.
أحد هذه الحلول المبتكرة التي من شأنها الإسهام في مراقبة وحماية البيئة، تقنيات الاستشعارات الذكية، التي من خلالها يتم قياس مختلف القراءات البيئية مثل الكشف عن جودة الهواء ونسب معدلات التلوث من الكربون والغازات السامة ومدى مستويات الإشعاعات الضارة ومعدلات تلوث المياه والتربة وغيرها من المقايسس البيئية المهمة والضرورية، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن لتقنيات الاستشعار من بعد بوساطة الأقمار الاصطناعية من جمع البيانات والمعلومات من خلال أنظمة الاستشعار البعيد وعن طريق أنظمة تحليل الضوء والأشعة المنعكسة والمنبعثة من الأرض، حيث يتم من خلال ذلك توليد صور وبيانات مفصلة عن البيئة والتضاريس والموارد الطبيعية والأنشطة البشرية، حيث يتم تحليلها من خلال نظم بيانات تحليلية مدعومة بمنظومة الذكاء الاصطناعي وتعليم الآلة، وبالتالي يتم توفير أفضل الخدمات فيما يتعلق بمراقبة البيئة بدقة وجودة عالية، مثل كشف ورصد ملوثات الهواء ومراقبة الأخطار الصناعية، واستكشاف الحرائق والمناطق الساخنة ومكافحة الفيضانات، والتغيرات التي تطرأ على المسطحات المائية ونسب استنزاف الموارد الطبيعية، هذه التقنيات الاستشعارية تساعد أصحاب القرار من اتخاذ كل ما هو مناسب من قرارات للحفاظ على البيئة واستدامة سلامتها... يتبع.