كيف تحمي السعودية اقتصادها من الصدمات؟

ترتبط الاقتصادات ببعضها من خلال التجارة والقدرة التنافسية والأسواق المالية، لذلك تتأثر الدول بهذا المثلث الاقتصادي ذي الطبيعة المالية والتجارية إلا أن هناك اختلافا بين جميع الدول في مدى استجابتها لسياساتها النقدية، مثل سعر الفائدة الذي يمثل أهم أدوات السياسة النقدية ويتحرك صناع السياسات الاقتصادية على أساسها، ولا سيما في الاقتصاد الأمريكي والأوروبي والياباني بطرق متقاربة، ويعزى سبب ذلك إلى أنها دول تمتلك نظاما ماليا متطورا يمكنه التأثير في اقتصاد البلد نفسه والعالم، بدليل أنهم يصدرون التضخم وكذلك الانكماش، ولاحظنا تاريخيا أن الاقتصاد الأمريكي -على سبيل المثال- يأتي أولا في التأثير في العالم، ويتبعه الاقتصاد الأوروبي، وأخيرا الاقتصاد الياباني، وبشكل خاص في حالتي التضخم والانكماش، ومن الصعب تحقيق العزلة لأي دولة من تأثير الصدمات العالمية، لذا سنوضح اليوم كيف تحمي السعودية اقتصادها من الصدمات؟
عندما نربط ما سبق ببيان الميزانية السعودية، الذي صدر أخيرا، يمكننا اكتشاف منهجية السعوديين الاقتصادية في تحقيق المنافع الاقتصادية في أوقات عصيبة على العالم، والتعرف على المرونة الاقتصادية التي يحظى بها الاقتصاد السعودي، والناتجة من طبيعته الهيكلية، وجودة قراراته الاقتصادية، وفق النظرة الاقتصادية الكلية.
أولا، تدرك المملكة أن اقتصادها مرتبط بأهم سلعة عالمية على الإطلاق في النمو الاقتصادي العالمي، وهي النفط والطاقة، وكما يقال إن النفط مسطرة التضخم العالمي، على الرغم من ذلك لم تكتف بتلك الميزة النسبية، بل حذرت العالم في وقت مبكر من أزمة التضخم بعد كورونا، ودعت العالم إلى التعاون، ونتيجة لذلك استطاعت أن تطرح سياسات احتوائية خففت من التضخم لديها. كما نجحت في تحويل فوائضها المالية إلى ذراعها الاستثمارية عبر صندوق الاستثمارات العامة، وعملت على تمويل البنية التحتية، وتمتين الاحتياطي النقدي الأجنبي.
ثانيا، تعرضت السعودية أيضا لتحديات اقتصادية خلال جائحة كوفيد - 19. ومع ذلك، فإن الحكومة السعودية عملت على التنويع في مصادر الإيرادات وتعزيز القطاعات الأخرى، مثل: السياحة والترفيه والتكنولوجيا وتطوير القطاع المالي، بهدف تعزيز النمو المستدام وتحقيق التنمية الاقتصادية على المدى الطويل. بمعنى آخر، عملت على التوازن المالي الداخلي لأهميته في استدامة النمو الاقتصادي بعيدا عن النفط من أجل تعزيز الإيرادات المستقبلية في مختلف الظروف الاقتصادية.
ثالثا، العجز المتوقع في الأعوام المقبلة ناتج من قرارات ناجحة وليس من مشكلات فشل، فالنجاح هنا يعبر عنه اقتصاديا زيادة الإنفاق لا نقص الإيرادات، كما يعتقد البعض، ويعد هذا أسلوبا فعالا في أوقات الركود العالمي، لأنه يولد النمو الاقتصادي ـ وهنا تكمن أهمية تفسير العجز اقتصاديا وفي واقع الأمر يظهر المرونة التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي.
أخيرا، المملكة تجيد فن تحييد الصدمات عن اقتصادها، ويمكن إثبات ذلك من خلال التالي: أليس دينها منخفضا 27 في المائة وإيراداتها متنامية وإنفاقها متصاعدا سنويا، وإجمالي ناتجها المحلي دخل أخيرا في نادي الدول التريليونية بعد تنويع اقتصادها؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي