الى أين تتجه أسواق النفط خلال الفترة المقبلة؟

خلال الربع الثالث، كان الموضوع الرئيس في الأسواق هو تخفيضات "أوبك+" الطوعية بقيادة المملكة وروسيا.
في الماضي، كان لمثل هذه التخفيضات تأثير محدود وقصير الأجل في السوق، حيث كان المنتجون من خارج التحالف يعوضونها عن طريق زيادة إنتاجهم، خاصة من قبل شركات النفط الصخري الأمريكية. لكن بحلول 2023، استنفد منتجو النفط الصخري المناطق الأكثر إنتاجية وقاموا بمراجعة استراتيجيتهم، والتحول من التوسع إلى زيادة التدفق النقدي لمصلحة المساهمين. كما أن الدول الأخرى خارج "أوبك" غير قادرة أيضا على إضافة إمدادات بسرعة إلى السوق، لأنه في فترة الأعوام الخمسة الماضية كان الاستثمار في مشاريع الإنتاج الجديدة منخفضا للغاية، بسبب أجندة المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.
وكان رد الفعل الطبيعي لأسعار النفط هو الارتفاع، حيث سجلت أسعار برنت أكبر ارتفاع ربع سنوي في عام لتتجاوز 95 دولارا للبرميل. ومن المتوقع أن يظل العرض محدودا حتى نهاية العام، وأن ينمو بشكل أبطأ بكثير من الطلب.
من ناحية الطلب، ركزت الأسواق منذ بداية الربع الثالث على اثنين من المخاطر الرئيسة التي تهدد الطلب على النفط: ارتفاع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية، وبطء وتيرة التعافي بعد الوباء في الصين.
ولدعم النشاط التجاري، أعلنت الصين عددا من إجراءات التحفيز في يوليو، التي بدأت تؤتي ثمارها في أغسطس. وتم بالفعل تسجيل بعض التحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي. وفي نهاية الشهر الماضي، توقع محللو البنوك الاستثمارية مزيدا من التحسن.
عموما، قد تمثل الصين في الفترة 2023 - 2024 أكثر من نصف النمو في إجمالي الطلب العالمي.
وكانت هناك أيضا تطورات في مسألة أسعار الفائدة. حيث اتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خطوة أخرى برفع معدل الفائدة في يوليو بمقدار 25 نقطة أساس، وبعد ذلك توقف مؤقتا.
السوق واثقة من أن ذروة التشديد قد مرت، وبحلول نهاية العام لن يرفع سعر الفائدة الرئيس.
وفقا لأداة (CME FedWatch)، وهي مؤشر لقياس توقعات رفع الفائدة الأمريكية، احتمالية بقاء الوضع الراهن في اجتماع نوفمبر 80 في المائة، وفي اجتماع ديسمبر 60 في المائة.
لكن من المهم أن نلاحظ هنا أن التضخم في الولايات المتحدة لا يعطي بعد إشارات واضحة عن التباطؤ. ولا تزال المكونات الأساسية لمؤشر أسعار المستهلكين تنمو بمعدل أعلى كثيرا من المستهدف، ولا تزال سوق العمل قوية.
ومع ذلك، لا تزال توقعات النمو الاقتصادي العالمي والطلب على النفط لبقية العام ولعام 2024 قوية للغاية، ما يدعم أسعار النفط.
أما في الربع الرابع، فسيؤدي استمرار التخفيضات إلى جانب تسارع الطلب، إلى نقص المعروض في سوق النفط، ما يدفع المستهلكين إلى التعويض من المخزونات. في هذا الجانب، يتوقع بنك ستاندرد تشارترد انخفاض مخزونات الخام العالمية بنحو 1.3 مليون برميل يوميا في الربع الرابع. وهذا من شأنه أن يدعم أسعار النفط، التي قد تراوح في المتوسط بين 90 و95 دولارا للبرميل لخام برنت. وهذا هو السيناريو الأساسي الذي يقترب من إجماع محللي السوق.
على جانب العرض، لا يتوقع حدوث مفاجآت كبيرة. لا يوجد مجال لإضافة طاقات إنتاجية جديدة، لكن من الناحية النظرية، يمكن أن يزداد العجز بشكل مؤقت أكثر، على سبيل المثال، بسبب الحوادث أو الكوارث الجوية. في هذه الحالة، قد تقفز أسعار برنت فوق 100 دولار للبرميل، خاصة أن السوق جاهزة لذلك، والمحللون يناقشون هذا الموضوع بالفعل.
لذلك، يتوقع بعض المحللين إمكانية قيام المملكة بتخفيف خفض الإنتاج في وقت أقرب مما يعتقد المشاركون في سوق النفط، لأنها لن تخاطر بتدمير الطلب من خلال الأسعار المرتفعة للغاية. سترغب "أوبك+" أيضا في توخي الحذر بشأن الضغط الزائد على سوق النفط. ذلك أن الهدف من التخفيضات هو استقرار سوق النفط لا رفع الأسعار.
في هذا الجانب، نفى وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، أن يكون الهدف من تخفيضات الإنتاج الأخيرة في المملكة هو تعزيز الأسعار، وذلك في تصريحاته أمام مؤتمر البترول العالمي في كالجاري في 18 سبتمبر. وأضاف: "الأمر لا يتعلق برفع الأسعار، يتعلق الأمر باتخاذ القرارات الصحيحة عندما تكون لدينا البيانات". وأشار الوزير إلى استمرار حالة عدم اليقين بشأن استهلاك النفط في الصين، وتراجع التصنيع في أوروبا، ومسار التضخم وأسعار الفائدة في أمريكا الشمالية وأوروبا.
بالفعل، على جانب الطلب، قد نشهد نموا اقتصاديا أضعف في الصين، فضلا عن تشديد جديد من قبل "الاحتياطي الفيدرالي"، هذا لن يؤدي إلى انخفاض سريع في الطلب، لكنه سيؤثر سلبا في التوقعات لعام 2024، وقد يؤدي إلى تحول أسعار خام برنت إلى نطاق أقل مثلا 85 - 90 أو حتى 80 - 85 دولارا للبرميل. كلا الخطرين محتملان جدا، لذا يجب أن تؤخذ مثل هذه السيناريوهات للربع الرابع في الحسبان.
وبالنظر إلى 2024، يفترض المحللون أن العجز العميق في الربع الرابع من عام 2023 سيؤدي إلى انخفاض سريع في المخزونات، التي وصلت بالفعل إلى أدنى مستوياتها في أعوام عدة. وهذا سيجعل سوق النفط حساسة للصدمات في جانب العرض، وسيقوم المشاركون بإدراج هذه المخاطر في توقعات الأسعار. ونتيجة لذلك، قد تظل أسعار النفط مرتفعة طوال 2024.
مع ذلك، مسار تحركاتها خلال 2024 غير مؤكد بعد، ودائما ما يتبين أن التوقعات لمثل هذه التحركات خاطئة، لذلك ليس من المنطقي أن نعطيها أهمية كبيرة. تجدر الإشارة فقط إلى أن التأثير السلبي في الاقتصاد من ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة لا يزال من الممكن أن يظهر، لأن تأثير تشديد السياسة النقدية قد يظهر بعد ربعين أو ثلاثة أرباع. وهذا يمكن أن يبطئ الطلب.
من ناحية أخرى، تعمل الدول غير الأعضاء في "أوبك" على زيادة إنتاجها، ولو ببطء. في حين، تقوم "أوبك+" بالفعل بخفض الإنتاج بما يكفي لضمان استقرار السوق. وفي مرحلة ما، سيتعين عليهم إعادة هذه الإمدادات حتى لا يفقدوا حصتهم في السوق. وبالتالي ستعود السوق تدريجيا إلى وضعها الطبيعي، وستنخفض الأسعار إلى مستويات أقل. إلا أن وتيرة هذا التراجع والمستويات الجديدة لا تزال مجهولة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي