جارك العصامي

كتاب "جارك المليونير" يلفت انتباهنا إلى أن الأثرياء العصاميين لا تبدو عليهم مظاهر الثراء، ولا تنطبق عليهم الصورة الباذخة التي نرسمها نحن للأثرياء.
من تنطبق عليهم الصورة النمطية للأثرياء هم، أبناء الأثرياء، وورثة النعمة، الذين يحرصون على التباهي والاستعراض والظهور بمظهر الثراء والغنى. الأثرياء العصاميون الذين بنوا أنفسهم من الصفر "ويشكلون 80 في المائة من أثرياء أمريكا" لا يهتمون بالتفاخر واستعراض المظاهر بقدر اهتمامهم بتحقيق قدر أكبر من النجاح والدخل المالي.
في هذا الكتاب Millionaire Next Door يفرق المؤلفان توماس ستانلي وويليم دانكو بين أصحاب الرواتب العالية، والأثرياء الذين صنعوا ثرواتهم بأنفسهم ولا يستلمون رواتب من غيرهم.
الثري العصامي، يملك خبرة كبيرة في صنع المال، ويعيش بمستوى يقل عن دخله الحقيقي، ويملك فائضا يكفيه للعيش أعواما دون عمل. أما أصحاب الرواتب العالية فلا يجيدون صنع المال، ويعيشون بمستوى يفوق دخلهم، وينهارون بسرعة حين يتوقف هذا الدخل.
بحسب استبيان قام به المؤلفان على الأثرياء العصاميين في أمريكا، اتضح أن:
* نصفهم يلبسون ساعات لا يتجاوز ثمنها 235 دولارا، وربعهم فقط يلبسون ساعات يفوق ثمنها ألف دولار "أغلبها هدايا من زوجاتهم".
* نصفهم لم يشتروا يوما بذلة يتجاوز ثمنها 399 دولارا، ونصفهم لم يشتر يوما حذاء يتجاوز ثمنه 140 دولارا.
* 23 في المائة منهم فقط يسوقون سيارات موديل "هذا العام". وأن الشاحنة فورد الرباعية "وليس المرسيدس أو البنتلي" هي أكثر سيارة مفضلة لديهم.
* غير أنهم ينفقون بسخاء حين يتعلق الأمر بالصحة والتعليم وتوفير احتياجات الأسرة، لأن هذا هدفهم الأول من صنع الثروة. أنا شخصيا أفرق "من الناحيتين النفسية والسلوكية" بين من ورث المال، ومن صنع المال بنفسه. من ورث المال جاهزا يملك إحساسا أقل بقيمته ويصرفه بسهولة حصوله عليه. لا يتردد في التباهي والتمظهر "إلا من رحم ربي" كونه لم يجرب طعم الفقر، ولا صعوبة الادخار، ولا جني استثماراته بعد طول انتظار.
في المقابل يستحق العصامي الاحترام والتقدير "ليس فقط لأنه صعد من الصفر" بل لأن المال لم يغير حياته وشخصيته ومعدنه الأصيل. فهو قبل أن يصبح ثريا جرب طعم الفقر والحاجة، وقبل أن يحترمه الناس تعلم أن الناس المحترمة لا تهتم بموديل سيارته، وماركة ساعته، وقيمة حذائه. حين تجلس معه تكتشف فيه قدرا هائلا من التواضع والبساطة ولطف المعشر، لدرجة قد تهمس في أذن صاحبك: "متأكد أن هذا الرجل يملك الملايين؟".
نعم يا عزيزي يملك الملايين، ولكنه لم يسمح للملايين بأن تمتلكه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي