الرؤية الاقتصادية للعالم في 2024
العالم اليوم يعيش حالة اقتصادية لم يشهدها التاريخ الاقتصادي منذ القرن الماضي من حيث تعاضد الأسباب التي ولدت حالة من التضخم حيرت النظرة الاقتصادية الكلاسيكية، وكذلك جعلت السياسات النقدية محل الريبة من القدرة على التحكم في الأوضاع الاقتصادية كما أنها السياسات المفرطة التي تم استخدامها أثناء أزمة كورونا رسمت ندبات غائرة في عدد من الاقتصادات الرئيسة.
هناك اقتصادات تسعى إلى الهبوط على مراحل وفي مقدمتها الاقتصاد الأمريكي، وكثير من آراء الخبراء الاقتصاديين بشأن الأسعار المستقبلية لا تزال في نظرهم تحمل في طياتها الضبابية، ويعزى ذلك إلى ضعف انتقال آثار السياسات الاقتصادية إلى الناس والقطاعات الاقتصادية، ما جعلهم في حالة من القلق حيال إذا ما كانت السياسات النقدية من خلال سعر الفائدة ستعمل، كما أن العوامل الاقتصادية الجيوسياسية شكلت مصدر قلق حقيقيا لمثل تلك الظنون -إن صح التعبير- كما أن النموذج الاقتصادي في طريق التحول إلى اقتصادات مختلفة لا تشبه الماضي من حيث الطبيعة والسلوك، ما يجعل القياس وفق سلوك التاريخ الاقتصادي الماضي أمرا غير متيقن منه، أي بالدرجة الكافية التي يمكن اعتمادها كنظرة تقديرية يمكن الدوران حولها، ولهذا أصبحت إدارة التوقعات الاقتصادية، شديدة التعقيد على الرغم من حالة التعافي التي لا تزال شديدة البطء وغير متوازنة، حيث إن النمو في العقدين الماضيين كان متوسطه 3.8 في المائة ويتوقع أن يستقر عند 3 في المائة في 2024.
بحسب بعض التقديرات لدى صندوق النقد الدولي فإن حجم الخسائر الناتجة من أثر الصدمات المتتالية 2020 بلغت 3.7 تريليون دولار حتى 2023 بعدما تخطى الناتج المحلي العالمي 100 تريليون دولار.
كل المؤشرات الاقتصادية الأساسية في الاقتصاد الأمريكي والأوروبي والياباني تظل في منطقة رمادية في 2024 وهي تتفق بدرجة كبيرة مع توقعات صندوق النقد، كما أن محركات النمو من الدول الصاعدة مقيدة بعوامل اقتصادية معقدة مثل حجم الديون والآثار الناتجة من ارتفاع أسعار الفائدة التي تشير التقديرات إلى أن نسبتها لن تهدأ قبل الوصول إلى 8 في المائة فضلا عن التفكير بالتهدئة.
يظل هناك تساؤل مهم قبل نهاية مقالة اليوم، ما هي الدول التي ستكون أقل تضررا أو حتى تظل إيجابية في الوضع الاقتصادي الحالي؟ بالنسبة للدول المنتجة للنفط تظل هي الأكثر حظا في الصمود ومواجهة التحديات، فالتضخم العالمي يغذي أسعار النفط بشكل إيجابي بصورة مطردة، كما أن الدول الأقل في الديون وتمتلك تنوعا اقتصاديا شديد التعقيد ستكون كذلك في وضع أفضل، أما الدول الصاعدة التي عليها ديون تتخطى 80 في المائة من ناتجها المحلي فسنراها في دائرة إدارة الأزمات الاقتصادية المتعلقة بمعدلات البطالة وإفلاس الشركات، فسعر الفائدة هو لعبة الكبار، وهم الأمريكان والأوروبيون واليابان ولن ينافسهم في الصمود إلا دول الموارد في 2024.