فلسطينيون: من الجنوب إلى الشمال حيثما نذهب سنموت
غادرت رحمة ساق الله مع عائلتها منزلها في مدينة غزة هربا من القصف الإسرائيلي. لكنها تعود إليه مع ابنتها فقط بعدما قتل القصف زوجها وثلاثة من أولادها في منزل في جنوب القطاع كانوا اعتبروه آمنا.
وتلخص السيدة البالغة أربعين عاما حال آلاف العالقين مثلها في القطاع المحاصر قائلة "لا يوجد مكان آمن.. حيثما نذهب سنموت".
وهي من ضمن نحو 600 ألف مدني فلسطيني، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، نزحوا إلى جنوب قطاع غزة منذ 13 أكتوبر بعد تحذيرات الجيش الإسرائيلي الذي دعاهم إلى الانتقال جنوب القطاع.
ولجأت رحمة ساق الله مع أسرتها الى بيت صديق للعائلة في بلدة القرارة في منطقة خان يونس. وتقول "دمروا البيت فوق رؤوسنا".
وتتابع "استشهد زوجي فضل وأولادي الثلاثة، داوود ومحمد وماجد (18 و15 و9 أعوام)، بينما أصبت أنا وابنتي رغد (17 عاما)"، مشيرة إلى أن ماجد كان يفترض أن يحتفل يومها بعيد ميلاده.
وتقول بأسى "لا زلنا نحن الاثنتين على قيد الحياة، لكننا لسنا بخير، العائلة راحت".
ومنذ السابع من أكتوبر، تاريخ تنفيذ حركة حماس هجوما غير مسبوق على إسرائيل، يرد الجيش الإسرائيلي بقصف عنيف مدفعي وجوي ومن البحر على القطاع. ويطال القصف المناطق الجنوبية التي نزح إليها مئات الآلاف من سكان الشمال.
وتقول الأمم المتحدة إن هذا الوضع دفع نحو 30 ألف فلسطيني إلى نزوح معاكس من جنوب القطاع إلى شماله، "بسبب الغارات المتواصلة في الجنوب وصعوبة العثور على ملجأ ملائم".
وحذرت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية لين هاستينغز اليوم بأن لا مكان آمنا في غزة.
وقالت في بيان إن الإنذارات التي وجهها الجيش الإسرائيلي من أجل إخلاء مناطق الشمال لا تحدث أي فرق.
وفقدت رحمة ساق الله 11 شخصا من أقربائها و26 شخصا من عائلات أخرى كانوا لاجئين معها، في تلك الغارة الإسرائيلية، كما تروي لـ"الفرنسية" بينما كانت تستعد للعودة إلى مدينة غزة.
وتقول،"حولوا غزة إلى دمار وركام، يريدونها مقبرة".
وتستطرد "نتانياهو كذاب يطلب من الناس الرحيل إلى الجنوب ليقتلهم هناك".
وفاق عدد القتلى في قطاع غزة سبعة آلاف منذ بدء الحرب، بينهم عدد كبير من الأطفال، بحسب وزارة الصحة.
"نموت في بيوتنا"
كذلك اتخذت أسرة عبد الله عياد قرار النزوح المعاكس شمالا باتجاه مدينة غزة. ويقول عياد "العودة لنموت في بيوتنا".
ويقول عبد الله (65 عاما) إنه غادر برفقة زوجته وبناتهما اليوم بيتهم في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة بعد إنذارات الجيش الإسرائيلي. ولجأوا إلى مستشفى "شهداء الأقصى" بدير البلح في وسط القطاع.
لكنهم قرروا العودة، وصعد السبعة في عربة تجرها دراجة ثلاثية العجلات. ويتابع عياد "نعود لنموت في بيوتنا. هذا أشرف لنا.. لا طعم للحياة هنا. ليس لنا هنا سوى الإذلال، لا طعام، لا ماء ولا حمامات.. وفوق ذلك كله القصف في كل مكان".
وأكدت رحمة ساق الله في اتصال هاتفي بعد اللقاء معها أنها تمكنت من الوصول إلى بيتها في مدينة غزة. لكن نازحين آخرين غادروا الأماكن التي نزحوا إليها في جنوب القطاع من دون أن يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم. ولجأ قسم كبير منهم إلى مستشفى الشفاء في وسط مدينة غزة.
وتتكدس عائلات برمتها تحت خيم من قماش معلقة على جدران وأعمدة اسمنتية. ويقول محمد أبو النحل "أعيش أنا وزوجتي وأطفالي وأصهاري، نحو 40 شخصا، في خيمة لا تتعدى ثلاثة أمتار".
ويتابع إن القصف لاحقه إلى خان يونس التي كان لجأ إليها، مضيفا "نطالب العالم أن يجد لنا حلالا. هذه حياة لا تليق حتى بالبهائم".
وتقول منة مسعود البحطيطي النازحة من حي التفاح شمال شرق غزة "وصلنا إلى خان يونس رغم أننا لا نعرف فيها أحدا، بقينا في الشوارع لكنهم قصفوا من حولنا.. في اليوم التالي، عدنا إلى مستشفى الشفاء".
لكن الوضع في المستشفى لا يقل مأساوية.
وتروي "وجدنا مأوى يضم 65 شخصا من أطفال ونساء ومرضى في خيمة صغيرة. حتى الحمامات يصعب الوصول إليها بسبب الازدحام.. نرى الشهداء والمصابين يتوافدون بشكل دائم".