القيم الإنسانية الدولية إلى أين؟
يقول أحمد شوقي:
إنمـــــا الأمــــم الأخـــلاق ما بقيـــت
فـــــإن هم ذهبــــت أخلاقهــــم ذهبوا
لا شك أن القيم الإنسانية هي التي تشكل شخصياتنا وتضبط سلوكياتنا وتصرفاتنا في الحياة، بل هي التي تشكل هويتنا التي تميزنا عن الآخرين كأفراد أو شعوب. ومن المؤكد أن غياب القيم أيا كان نوعها يجعل حياة الأفراد والشعوب فوضوية وممارساتها غير إنسانية.
يقوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أعلن عنه في 1948، على قيم أساسية، مثل: الأمن البشري، وحرية التعبير، وكذلك المساواة، فتنص المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على ما يلي: "يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق"، وتنص المادة الثانية على أن "لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين...". وتؤكد المادة التاسعة أنه "لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا". هذه وغيرها لا تخفى على الدول الغربية التي هي ذاتها التي شاركت في صياغة إعلان حقوق الإنسان وغيره.
لا يوجد لبس في أذهان الساسة في الدول الغربية حول معنى القيم الإنسانية وحول حقوق الإنسان التي تؤكد حماية الإنسان من الظلم وضمان المساواة والعيش الكريم، لكن تلك الدول تغلب مصالحها الاقتصادية والسياسية وأحيانا العنصرية، ما تجعل الساسة في تلك الدول يتجاهلون الظلم والجور والبؤس الذي يفرض على مجموعات إنسانية أو شعوب معينة، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني. والسؤال: كيف يعيش هؤلاء المسؤولون مع أنفسهم؟ وأمام شعوبهم وهم الداعمون للعمليات العسكرية التي تقتل الأبرياء من الأطفال والشيوخ والمدنيين؟ وكيف يسمح هؤلاء الساسة لعمليات التهجير القسري والتطهير العرقي وهم الذين ينادون بحماية حقوق الإنسان؟
تضرب الحرب الإسرائيلية على غزة مثالا مؤلما في ازدواجية المعايير، فمن جهة، تدعم الدول الغربية الشعب الأوكراني في مكافحة الاحتلال الروسي، لكنهم في المقابل يدعمون قوى الاحتلال الإسرائيلية لسحق الشعب الفلسطيني في غزة، وتهجير الفلسطينيين قسريا، تحت ذريعة الدفاع عن النفس. إلى جانب ذلك، تأخذ ازدواجية المعايير شكلا آخر في أن الدول الغربية تعطي إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وهي السلطة المحتلة للأرض، وفي المقابل، لا يشيرون ولو إشارة عابرة في تصريحاتهم الإعلامية، إلى حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم، وهم الأضعف في المعادلة! يحدث ذلك على الرغم من أن الأمم المتحدة تؤكد أن الإخلاء القسري هو انتهاك لحقوق الإنسان سواء كان ذلك الإبعاد الدائم أو المؤقت.
مع ذلك كله، هل ستستمر وزارات الخارجية لتلك الدول في إصدار تقاريرها السنوية حول حقوق الإنسان في العالم؟ بالتأكيد ستستمر هذه التقارير في الصدور على الرغم من الازدواجية الصارخة والانتهاك الواضح لأبسط حقوق الإنسان التي تنص عليها المنظمات الدولية. والسبب بسيط جدا، ويكمن في أن هذه التقارير لا تهدف في حقيقتها إلى حماية حقوق الإنسان، لكنها تستخدم كأداة لزيادة السيطرة وفرض النفوذ السياسي على الدول النامية.
السؤال المهم: هل سيأتي اليوم الذي تختفي فيه ازدواجية المعايير المخجلة هذه؟ وما سبل تخفيفها لكي تنال الشعوب والمجموعات السكانية حقوقها في العيش الكريم؟
من المؤكد أن وجود القطب الواحد أو التكتل الواحد يزيد من هذه الممارسة، فتعدد الأقطاب ربما يمنع أو يخفف من حدوثها بشكل صارخ. علاوة على ذلك، ستسهم إعادة النظر في أنظمة الأمم المتحدة والأسس التي تقوم عليها المحاكم الدولية في تعزيز العدالة الدولية.