إطلاق العنان لإمكانات التكنولوجيا الصحية «2 من 2»

في المرة المقبلة، يتعين على الحكومات أن تتأكد أن أحكام العقود تبرز المصلحة العامة وتنظم عملية جني الأرباح الزائدة. فعلى نحو مماثل، ينبغي لجهود حوكمة الملكية الفكرية أن تسعى إلى تسهيل عمليات نقل المعرفة بين الدول، لمصلحة مزيد من الإبداع والتصنيع غير المركزي.
نحن في حاجة ماسة إلى إعادة تصميم قواعد وممارسات الملكية الفكرية لضمان إدارة التكنولوجيات الصحية الحرجة، خاصة تلك التي تعتمد بدرجة كبيرة على أموال دافعي الضرائب ورأس المال البشري "من الباحثين إلى المشاركين في التجارب السريرية"، على نحو يحقق المصلحة العامة. ولهذا السبب، دعا مجلس اقتصادات الصحة للجميع التابع لمنظمة الصحة العالمية، الذي أتولى رئاسته، إلى إدارة براءات الاختراع المرتبطة بتكنولوجيات الحمض النووي الريبي المرسال من منظور المصلحة العامة، وليس من منظور الملكية.
في الممارسة العملية، يعني هذا أن معايير منح براءات الاختراع - بما في ذلك براءات الاختراع الثانوية - لا بد أن تكون أكثر صرامة، من خلال اشتراط الكشف الإضافي عن المعلومات التي قد تساعد الحكومات على تقييم حجم القوة السوقية التي تمنحها للمستفيدين من خلال براءات الاختراع. ينبغي لبراءات الاختراع أيضا أن تغطي فقط ابتكارات وإبداعات جديدة جوهريا، ولا بد أن تقتصر على التكنولوجيات النهائية، من أجل منع تخصيص أدوات وعمليات ومنصات البحث الأساسية. يجب أن يكون الغرض من الإبداع الطبي هو تحسين "الصحة للجميع" - وهي مهمة منظمة الصحة العالمية المركزية - وهذا يتطلب تعزيز الوصول إليه في الوقت المناسب وعلى نحو عادل.
تشكل القدرة على الوصول إلى الملكية الفكرية الأساسية ورأس المال أمرا شديد الأهمية لإنشاء البنية الأساسية المحلية والإقليمية اللازمة لإنتاج المنتجات القائمة على الحمض النووي الريبي المرسال. وقد أدركت منظمة الصحة العالمية هذه الحاجة بوضوح، فأطلقت برنامجا لنقل تكنولوجيا الحمض النووي الريبي المرسال، وأقامت له مركزا في جنوب إفريقيا، كما أقامت شراكات جديدة لتقاسم التكنولوجيا بين الشركات في 15 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل على الأقل.
لكن تظل الحاجة قائمة إلى الدعم المالي والسياسي القوي لضمان نجاح هذه المبادرة. على سبيل المثال، تستطيع حكومات الدول منخفضة والمتوسطة الدخل أن تتخذ خطوة إضافية بإنشاء مراكز إقليمية لمشاريع البحث والتطوير لتعزيز التعاون بين القوى الفاعلة في القطاعين العام والخاص في مشاريع البحث والتطوير المشتركة.
في عموم الأمر، مع تجدد اهتمام الحكومات بالسياسة الصناعية، ينبغي لها أن تدرك الفرصة المتاحة لحشد قدر أعظم من الاستثمار، والإبداع، والنمو حول هدف الصحة للجميع. يحسب للبرازيل أنها عملت بالفعل على المواءمة بين جهود التأهب والاستجابة للجوائح المرضية والسياسة الصناعية عبر مجمعها الاقتصادي الصناعي الصحي، الذي سيستخدم المشتريات العامة لإنشاء سوق محلية للقاحات الحمض النووي الريبي المرسال المطورة محليا، وهذا من شأنه أن يحقق فوائد صحية واقتصادية على جانب عظيم من الأهمية.
مع إحراز تقدم في المفاوضات الدولية بشأن اتفاق الوقاية من الجوائح المرضية والتأهب والاستجابة لها، يجب أن تحتل قضية ضمان الوصول العادل في الوقت المناسب إلى تدابير المكافحة الطبية - بما في ذلك تكنولوجيات الحمض النووي الريبي المرسال - مركز الصدارة. تتمتع منصة تكنولوجيا الحمض النووي الريبي المرسال بإمكانات هائلة فيما يتصل بتقديم علاجات ولقاحات رائدة للأمراض التي تصيب الدول منخفضة ومتوسطة الدخل في المقام الأول ويمكن إنتاجها محليا بأسعار معقولة في ظل نظام الملكية الفكرية الملائم.
لبناء هذا الشكل من المرونة والقدرة على الصمود، يتعين علينا أن نعمل على تمكين الباحثين والمصنعين والحكومات في تلك الدول من تشكيل أنظمة البحث والتطوير والتصنيع الإقليمية على النحو الذي يخدم المصلحة العامة. آنذاك فقط يتسنى لتكنولوجيا الحمض النووي الريبي المرسال تحقيق كامل إمكاناتها.

خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي