المرونة المذهلة للأسواق الناشئة «2 من 2»

العامل الأكبر الوحيد وراء مرونة الأسواق الناشئة كان التركيز المتزايد على استقلال البنوك المركزية. حيث تطور هذا المفهوم، الذي كان ذات يوم مفهوما أكاديميا غامضا، إلى معيار عالمي على مدى العقدين الماضيين. وقد نجح هذا النهج، الذي يشار إليه في الأغلب باسم "استهداف التضخم"، في تمكين البنوك المركزية في الأسواق الناشئة من تأكيد استقلالها، رغم أنها في الأغلب ما تضع ثقلا على أسعار الصرف أكبر مما قد يوحي به أي نموذج لاستهداف التضخم.
ونظرا إلى استقلالها المعزز، بدأت عديد من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة رفع أسعار الفائدة قبل وقت طويل من نظيراتها في الاقتصادات المتقدمة. هذا ما جعلهم في المقدمة لأول مرة، بدلا من التخلف عن الركب. كما عمل صناع السياسات أيضا على إدخال أنظمة جديدة للحد من حالات عدم تطابق العملات، مثل إلزام البنوك بمطابقة أصولها والتزاماتها المقومة بالدولار لضمان ألا يؤدي الارتفاع المفاجئ في قيمة الدولار إلى تهديد القدرة على تحمل الديون. ويتعين على الشركات والبنوك الآن تلبية شروط الإبلاغ الأكثر صرامة بشأن مراكز اقتراضها الدولية، ما يوفر لصناع السياسات فهما أوضح للأخطار المحتملة.
علاوة على ذلك، لم تتقبل الأسواق الناشئة قط فكرة أن الديون عبارة عن وجبة مجانية، وهي الفكرة التي تخللت المناقشة حول السياسة الاقتصادية في الولايات المتحدة، بما في ذلك الأوساط الأكاديمية. إن الفكرة القائلة إن تمويل العجز المستدام غير مكلف بسبب الركود المزمن ليست نتاج تحليل واقعي، بل هي تعبير عن التمني.
هناك استثناءات لهذا الاتجاه. على سبيل المثال، رفضت الأرجنتين وفنزويلا المبادئ التوجيهية لسياسة الاقتصاد الكلي التي يتبعها صندوق النقد الدولي. ورغم كسبهما قدرا كبيرا من الثناء من قبل التقدميين الأمريكيين والأوروبيين، إلا أن النتائج كانت كارثية كما كان متوقعا. فالأرجنتين دولة متخلفة عن النمو وتتصارع مع التضخم الجامح الذي يتجاوز 100 في المائة. وقد شهدت فنزويلا، بعد عقدين من الحكم الاستبدادي الفاسد، أعمق انهيار للإنتاج في وقت السلم في التاريخ الحديث. ومن الواضح أن "إجماع بوينس آيرس" كان فاشلا قبل بدايته.
من المؤكد أنه ليست كل الدول التي رفضت النزعة المحافظة فيما يتعلق بالاقتصاد الكلي قد انهارت. فقد أبقى رجب طيب أردوغان الرئيس التركي سقفا لأسعار الفائدة رغم ارتفاع معدلات التضخم، وأقال كل رؤساء البنوك المركزية الذين دعوا إلى رفع أسعار الفائدة. وحتى مع اقتراب التضخم من 100 في المائة والتوقعات واسعة النطاق بحدوث أزمة مالية وشيكة، ظل النمو في تركيا قويا. رغم أن هذا يوضح أن هناك استثناء لكل قاعدة، فمن غير المرجح أن تستمر مثل هذه الحالات الشاذة إلى أجل غير مسمى.
ترى هل ستظل الأسواق الناشئة صامدة ومرنة إذا استمرت فترة ارتفاع أسعار الفائدة العالمية في المستقبل البعيد، كما يشك البعض، وذلك بفضل الإنفاق الدفاعي المتزايد، والتحول الأخضر، والشعبوية، وارتفاع مستويات الديون، وتراجع العولمة؟ ربما لا، وهناك قدر كبير من عدم اليقين، ولكن أداءها حتى الآن كان لافتا للنظر إلى حد كبير.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي