عوائد السندات هل تضعف الدولار؟
ثمة أسباب لتراجع الدولار من القمة التي حققها هذا العام في أول أكتوبر الماضي عند مستوى 107.4 نقطة لمؤشر الدولار، ووصوله حاليا إلى 102.5 نقطة، ومن تلك الأسباب تنامي الاعتقاد بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي ربما قد وصل إلى نهاية دورة رفع معدلات الفائدة التي قام بها منذ مارس 2022. التوقف عن رفع أسعار الفائدة يعني انخفاض الطلب على الدولار نتيجة تناقص شهية الإقبال على السندات الأمريكية التي يؤدي شراؤها إلى رفع الطلب على الدولار، ويزيد الإقبال عليها عندما ترتفع حيازة الدولار لدى الدول الأجنبية، ولذا اتجه كثير من مديري الأصول إلى خفض مراكزهم في الدولار لاعتقادهم بعدم حاجتهم إلى الاحتفاظ به في الفترات المقبلة، ومع ذلك لا يزالون يحتفظون بكميات كبيرة من الدولار، ما قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط البيعية عليه.
تراجع التضخم إلى 3.2 في المائة على أساس سنوي، وبوادر ارتفاع في مستوى البطالة الأمريكية عند 3.9 في المائة، وذلك أعلى قليلا من الشهر الماضي وأعلى من التوقعات، إضافة إلى توقعات تراجع في نمو الناتج المحلي الإجمالي، جميعها لا شك أدت إلى العزوف عن الدولار، لذا تشير إفادة عدد من مديري الأصول عن عمليات تخلص من الودائع بالدولار واستبدالها بالين الياباني والدولار الكندي وعملات من أمريكا اللاتينية.
لهذه التحركات في الدولار تأثيرات متبادلة في منحنى عائد السندات الذي لا يزال في حالة انعكاس، حيث معدلات الفائدة على المدى القصير تفوق 5.2 في المائة، بينما عوائد السندات الطويلة أقل من ذلك بكثير، ولذا فالتوقعات الآن أن يبدأ منحنى العوائد بالاعتدال ومن ثم يعود إلى وضعه الطبيعي حيث العوائد على المدى الطويل أعلى منها على المدى القصير، وهو الوضع السائد في 2021. ولكن لكي يعود منحنى العوائد إلى هذا الوضع الطبيعي لا بد أن يكون هناك انخفاض في الفائدة على المدى القصير، وهي الفائدة التي يتحكم بها "الفيدرالي"، أو أن ترتفع الفائدة على المدى الطويل والتي تتحرك بحسب الأوضاع الاقتصادية والعرض والطلب على المنتجات العقارية والسندات الحكومية طويلة المدى.
لذا يبدو أن هناك تفاؤلا من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي ألا يضطر إلى خفض معدلات الفائدة، أو أن يقوم بخفضها قليلا كما تشير بعض التوقعات بدءا من الربع الأول أو الثاني من 2024، وأن يتم الاعتماد على ارتفاع عوائد السندات الطويلة كسلاح للحد من السيولة والسيطرة على التضخم. وهذه النتيجة مناسبة لوزارة الخزانة الأمريكية التي تواجه صعوبة في طرح السندات دون رفع معدلات الفائدة عليها، ما يعني أن ارتفاع العوائد البعيدة سيعدل من اختلال منحنى العوائد وسيساعد وزارة الخزانة على طرح ما لديها من سندات.
هذا السيناريو الذي يؤدي إلى اعتدال منحنى العوائد ليس مثاليا بطبيعة الحال، لكون ذلك يعني تحقيق منحنى طبيعي، ولكن بمعدلات فائدة مرتفعة على جميع فترات الاستحقاق، ولذا فعلى الرغم من توقعات ارتفاع عوائد السندات الطويلة، إلا أن ذلك لم يتحقق في الأسابيع القليلة الماضية بل على العكس بدأت عوائد السندات العشرية التراجع إلى 4.3 في المائة حاليا، منخفضة من مستويات تجاوزت 5 في المائة لمدة قصيرة الشهر الماضي، ما يدل على أن المستثمرين يرون أن "الفيدرالي" سيضطر إلى خفض الفائدة أكثر من أي ارتفاع في الفائدة قد يتحقق عن طريق السندات الطويلة. وبالفعل هناك بوادر اعتدال في انعكاس منحنى العوائد، حيث نجد الفارق بين عائدي السندات العشرية وسندات عامين بدأ يتراجع من حدود 1 في المائة قبل شهر إلى أقل من نصف نقطة مئوية حاليا.
حركة الدولار الأمريكي مرتبطة بعوائد السندات من جهة، من جهة أخرى هي مرتبطة بالنشاط الاقتصادي والطلب على السلع والخدمات الأمريكية، وبالتالي إن صدقت التوقعات بشأن تباطؤ اقتصادي في المرحلة المقبلة، إما ركود اقتصادي وإما تراجع سلس، وإن صحت توقعات تراجع معدلات الفائدة على جميع أزمنة منحنى العوائد، فلا شك أن قوة الدولار ستتراجع في الأشهر المقبلة.